بعد اغتيال السفير وتفجيرات شرم الشيخ هل يتوقف الخلط بين المقاومة والإرهاب؟

In صالون بن رشد by CIHRS

تحت عنوان “اغتيال السفير المصري في العراق بين الحق في المقاومة والإرهاب” نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوة أدارها مجدي النعيم المدير التنفيذي للمركز، والذي أشار في بدايتها إلى أن ما دعا لعقد هذه الندوة هو حالة الغضب والصدمة التي شعر بها كل المصريين والعرب لاغتيال دبلوماسي ومدني في المقام الأول وليس طرفا في أي عمل مما يمكن أن يثير غضب فئات من الشعب العراقي، موضحا أن الدكتور إيهاب الشريف السفير المصري الذي تم اغتياله يبدو أنه كان سئ الحظ في أكثر من مرة حينما اختطف وحينما اغتيل دون أي مساومة، وحينما تلاحقت أحداث أخرى غطت على الحدث بدرجة أو بأخرى، حيث جرت حوادث تالية لاختطاف دبلوماسيين جزائريين، ولكن الحدث الأكثر مأساوية كان في تفجيرات شرم الشيخ التي راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين يشكلون أكبر عدد من الضحايا العمليات الإرهابية في مصر.
وانتقل الحديث إلى الدكتور وحيد عبد المجيد مساعد مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، والذي أشار إلى أن موضوع اغتيال السفير المصري يثير العديد من وعلامات الاستفهام بشأن المستوى الذي وصلت إليه حالتنا الثقافية والكيفية التي ننظر بها للأمور والمعايير التي نقيم بها الأحداث، مشيرا إلى أن بعض ردود الأفعال على هذا الحادث اتجهت ببساطة إلى تبرئة القتلة ضمنيا وتحميل المسئولية على من أرسلوا رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية إلى بغداد، فيصبح القاتل -الذي وأعلن مسئوليته عن القتل جهارا نهارا- بشكل ضمني بريئا، والمتهم هو –من وجهة نظر هؤلاء- هو المقتول ومن أرسله إلى هذا المكان.
وأشار د. وحيد إلى أن هذه الطريقة مجافية للمنطق في النظر إلى الأمور. وتجعل الإرهابيون هم المرجعية فيما ينبغي أن يفعله غيرهم، فيصبح على الجميع أن يحددوا جدول أعمالهم وأجندتهم وفق ما يريده هؤلاء الإرهابيون.
وتساءل عبد المجيد هل كان ضروريا أن ترسل دول عربية دبلوماسيين للعراق تحت الاحتلال أم لا؟ مجيبا أنه لم يحدث في التاريخ أن بلد لديه استقلال قانوني، لكن فيه قوات احتلال أن امتنع أحد عن إرسال بعثات دبلوماسية إليه بما في ذلك بلاد ما تحت الاحتلال، ودلل على ذلك بأن مصر ومنذ حصلت على استقلالها القانوني عام 1922 وهى تستقبل بعثات دبلوماسية وترسل كثير من البعثات الدبلوماسية إلى الكثير من الدول. وقال عبد المجيد إنه لم يحدث في تاريخنا الوطني حتى من أكثر الاتجاهات تشددا في الحركة الوطنية أن رفض استقبال هذه البعثات وبالعكس كان الكل يعتبر هذا جزءا من عمل الحركة الوطنية وتأييد فعلي وواقعي للاستقلال الذي حصل عليه ويسعى إليه.

تساؤلات

وتساءل عبد المجيد هل ما زال من المهم أن يكون هناك وجود دبلوماسي عربي في العراق؟ وقال إن الإجابة تتوقف على الدور الذي يؤديه هذا الوجود الدبلوماسي مشيرا إلى أنه كان وما يزال هناك غموض للموقف المصري تجاه العراق، وأنه إذا لم يكن هناك دور محدد للدبلوماسيين في مساعدة العراق فيصبح وجودهم مثل عدمه وقال الدكتور عبد المجيد إن الدور الأساسي الذي يجب أن تقوم به مصر وأي دولة ترمي إلى وحدة العراق وإنقاذه من الحرب الأهلية وعروبته هو أن تسعى للوساطة بين القائمين على الحكم الآن وبين القوى المستبعدة من العملية السياسية، سواء تلك التي أبعدت نفسها أو استبعدت بإجراءات خاطئة.
ولفت عبد المجيد إلى التضارب في تصريحات المسئولين المصريين حول دور مصر في العراق، كما أن ضعف الموقف الرسمي في هذه الأزمة أتاح لكل من هب ودب أن يحمل مصر المسئولية ويعتبر أن مجرد وجود دبلوماسيين مصريين في العراق “كفرا بيناً” مؤكدا أنه إذا كان هناك دور يؤدى في هذا المجال فلابد أن يكون واضحا ويتم شرحه بشكل كاف ولابد من استكماله لأن دخل العراق لمصيره بالشكل الذي يحدث الآن ليس له سوى نتيجة واحدة هى الحرب الأهلية والتي بدأ العراق بالفعل المرحلة الأولى منها ولن تنتهي إلا بتقسيمه، وعودة أجزاء منه إلى العصور الوسطى وسيطرة إيران بشكل كامل على أجزاء أخرى، مشددا على أن من سيتحمل المسئولية تجاه ذلك من امتنعوا أو خافوا من تأدية مسئوليتهم الوطنية والقومية في العراق ولم يسعوا إلى المصالحة الوطنية العراقية.
قال عبد المجيد إن المسألة الأساسية هنا هى ليست إرسال دبلوماسيين للعراق من عدمه، وإنما طبيعة الدور الذي يجب أن يؤديه هؤلاء الدبلوماسيون، وبصفة خاصة على صعيد السعي إلى مصالحة وطنية عراقية، ونقل العراق إلى وضع مختلف عما هو فيه الآن وتهيئة الوضع لخروج القوات الأجنبية، فينبغي أن يؤدي هذا الدور ويستكمل أيا كان الإرهاب الذي تمارسه جماعات إرهابية في العراق والإرهاب الذي يمارسه مناصرون لهذه الجماعات هنا أو في أي بلد عربي آخر.

خضوع للابتزاز

وتحدث الكاتب والصحفي العراقي صلاح نصراوي فأشار بداية إلى الحوار والسجال الذي دار في مصر حول عملية اغتيال السفير المصري إيهاب الشريف والأزمة التي صاحبت هذا الحادث، موضحا أن هذا السجال وصل إلى نقطة متدنية من تصفية الحسابات والابتزاز السياسي من جماعات معارضة للدولة وخضعت الدولة لهذا الابتزاز وقدمت تنازلات بالتراجع عن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع العراق وسحب دبلوماسيها منه. وقال إن هذا الأمر يثير النقاش حول كيفية تعامل الدولة مع النخب السياسية والمثقفة وكيف تخضع الدولة للابتزاز.
وأشار إلى أن القضية لا تتعلق فقط بالعلاقات الدبلوماسية أو العملية السياسية الدائرة في العراق، ولكن تتعلق بالأساس بمستقبل المنطقة وتأثيرات ذلك على مصر بالذات من بين دول هذه المنطقة، مفترضا أن يتم التعامل مع هذه القضية بغير الخفة التي أثارتها كثير من الأصوات في التليفزيونات وعلى صفحات الصحف.
أشار نصراوي إلى أن التصريحات التي صدرت عن بعض المسئولين العراقيين حول الحادث ناتجة عن قلة الخبرة ويجب ألا تحمل على محمل آخر، لكنه أشار إلى أنه كان هناك بالتأكيد وجهة نظر عراقية حول موضوع الإرهاب والعلاقات العراقية العربية والمصرية بالذات وقال إن العراقيين بالتأكيد ضحايا للإرهاب، وبالتالي هناك شعور قوي لديهم بالتضامن مع كل ضحايا الإرهاب في كل مكان في العالم، لذلك كان هناك شعور لديهم بالصدمة والتعاطف والاستفزاز لمقتل السفير الشريف بهذه الطريقة البشعة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن ذلك أثار التساؤلات لدى العراقيين: ولماذا لا يتعاطف العرب معنا؟!
وقال إنه في العامين الماضيين كان هناك نوع من الترحيب والتصفيق والتأييد لكل أعمال الإرهاب التي تعرض لها العراقيون، وكانت تصدر كل الصحف العربية –وخاصة في مصر- وتشير إلى المقاومة العراقية الباسلة دون أن يسأل أحد من هى هذه المقاومة ومن وراءها وكيف تقتل هذه المقاومة أناسا أبرياء وما علاقة قتل الأطفال وأئمة المساجد وحتى الشرطة بأعمال المقاومة؟! موضحا أن تمجيد المقاومة في هذه الأحداث كان يعني بالنسبة للعراقيين الاستخفاف بالضحايا منهم وعدم تعلم الدرس من خطورة تمجيد الإرهاب في أي منطقة.
واعتبر نصراوي أنه كان هناك نوع من الازدواجية والنفاق أيضا في التعامل مع الإرهاب الذي أطاح حتى الآن بعشرات الآلاف من الضحايا في العراق وكان العراقيون يطالبون بألا يستخف العرب بالإرهاب لأنه سيطولهم يوما ما، مؤكدا على أن الإرهاب واحد ويجب التفريق بينه وبين المقاومة بأي شكل من الأشكال.
أشار نصراوي إلى أن بعض الأصوات المصرية وحتى داخل البرلمان المصري وجلساته الرسمية أكدت أن هناك أخطاء في السياسة المصرية تجاه العراق أدت إلى اتجاه الإرهاب إلى مصر وقتل سفيرها وأن هذه الأصوات أشارت أيضا إلى خطأ إرسال الشريف تحديدا إلى العراق بعد أن كان يعمل في السفارة المصرية في إسرائيل، واعتبر نصراوي أن هذه الأصوات لا تراعي المصالح الحقيقية في العلاقة بين مصر والعراق، بما يؤكد أهمية وجود سفارة لكلا البلدين، وبعثة دبلوماسية لترعى هذه المصالح وتحميها.

نماذج مختلفة

وتحدث الدكتور سمير غطاس مدير مركز مقدس للدراسات السياسية، مشيرا إلى أن الدكتور ايهاب بالشريف يمثل نموذجا مختلفا تماما عن نموذجين يسيطران على الحياة السياسية والثقافية والإدارية في مصر وكثير من الدول العربية وهما النموذج البيروقراطي الذي يهتم بالتعيين والترقي ثم النموذج الأخطر وهو النموذج العسكريتاري الذي أفرزته نماذج عديدة من الدول كنظام يوليو، حيث هيمن العسكر على مواقع مهمة ومدنية كالمواقع الدبلوماسية وغيرها وأيضا العسكريتارية التي تفرزها الفصائل والميليشيات والحركات العسكرية بدعوى المقاومة والتي تهمين أيضا بدورها على الحياة المدنية والسياسية بدعوى أنها شاركت في المقاومة.
أكد غطاس أنه لا يحق لأي شخص بدعوى المقاومة أن ينتج نوعا ما من التسلط على المجتمع يصادر به الحقوق المدنية وحقوق المواطنين وغيرها، مشيرا إلى أن هذه النماذج تفرز في النهاية إما نموذج الملا عمر أو تفرز في فلسطين الآن فرقا تشكلها حماس الآن لمراقبة الآداب العامة والهيمنة على المجتمع والوصاية عليه. وأكد أن العقل السياسي العربي مطالب بأن يجيب على التساؤلات حول مشروع المقاومة، بما يوجب عدم الاحتفاء بأي رصاصة تطلق في أي مكان دون السؤال عن هذا المشروع.
أشار غطاس إلى أن الأطروحة التي قيلت حول أن مقتل إيهاب الشريف راجع لأنه كان يعمل بالسفارة المصرية في إسرائيل من قبل لا تحتاج إلى كثير من الجدل في الرد عليها لأن الدبلوماسيين الجزائريين والبحرينيين الذين تم قتلهم أو إصابتهم لم يسبق لهم العمل في إسرائيل وأبدى غطاس أسفه في هذه النقطة لتماثل موقف بعض المثقفين المصريين مع ما صدر عن الحركة السلفية في الجزائر التي أصدرت بيانا تشيد فيه بدور الزرقاوي في اختطاف الدبلوماسيين الجزائريين وتطالبه بعدم الإفراج عنهم وقتلهم، مشيرا إلى أن بعض المثقفين المصريين أيضا قدموا وبشكل مؤسف مبررات لمقتل السفير.
وأكد غطاس هذه الجماعات الضالعة في الإرهاب لا علاقة لها بمسألة الصراع العربي الإسرائيلي، مضيفا أن أغلب الحركات الإسلامية -إن لم يكن كلها- التي ترفع لواء المقاومة لم يكن لها في حقيقة الأمر أي علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي.
واستدل غطاس على ذلك بتقرير للجنرال زئيفي مؤخرا قال فيه أن إسرائيل ليست على جدول أعمال بن لادن أو حركة القاعدة وأنه حتى 11 سبتمبر لم تأت في أدبيات القاعدة أو بياناتها بأي ذكر حول إسرائيل.
ولاحظ غطاس أن الخطاب السياسي العربي، والمصري بشكل خاص، يقع في خطأين، أولهما أن هناك تهمة جاهزة للموساد في أي حدث ولو أن “رجلا فشل في إقامة علاقة مع زوجته فيمكن بسهولة أن يتهم الموساد بالمسئولية عن ذلك”، مؤكدا أن هذا ليس افتراء على المثقفين المصريين، لافتا إلى أن اتهام إسرائيل جزافا يسعد قلب إسرائيل وخاصة رئيس الموساد لأن هذا يعطي صورة أسطورية عن الموساد رغم عشرات المرات التي منى بها الموساد بالفعل بالفشل في السنوات الأخيرة.
أضاف غطاس أن الخطأ الآخر هو الاتكاء على أن هذه الجماعات تنفذ عمليات ردا على ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة، مشيرا إلى أن هذا الأمر أيضا غير صحيح لأنه بتصريحات هؤلاء الجماعات أنفسهم فإن أجندتهم تشمل اليهود والصليبيين والمسلمين أيضا والمجتمع كله.
وأكد أن الشريف راح ضحية أنه كان أحد أدوات الدور الذي يجب أن تلعبه مصر في العراق وما يسمى بالدور الإقليمي لمصر، مشيرا إلى أن هناك إجماع مصري على ضرورة أن تلعب مصر دورا إقليميا محوريا لأسباب عديدة وأن هذا الإجماع يقابله اختلاف في المنطلقات، حيث هناك من يدعي أننا يجب أن نلعب دورا تجاه ما يسمى بالأمة العربية، منطلقين من الرؤية القومية، ومن يرى أننا يجب أن نلعب دورا في المحيط الإسلامي انطلاقا من أن الرابطة هى رابطة إسلامية وليست قومية، واتجاه يرى أن نلعب دورا أورمتوسطي.
وأشار إلى أنه لا الدولة المصرية ولا المثقفين ولا الأحزاب أفرزوا لنا أدبيات سياسية تتحدث بشكل تأسيسي عن الدور الإقليمي لمصر بما يعكس عجزا شديدا بل فقرا شيدا في الحديث عن نظرية الأمن القومي المصري التي يتم تناولها فقط من قبل العسكريين.
وقال غطاس إنه نتيجة العجز وغياب تصورات حقيقية حول الدور الإقليمي لمصر فإنها بعد اتفاق كامب ديفيد انتدبت نفسها لمهمة متضاربة بل ومستحيلة، تتمثل في أنه رغم أن مصر هى التي وقعت اتفاقيات كامب ديفيد، لكنها حاولت أن تواصل دورها في العالم العربي، وكأنها لم توقع الاتفاق. وعبر عن هذه المسألة بشكل فج عمرو موسى عندما كان وزيرا للخارجية بالتنديد بما سماه بالهرولة تجاه إسرائيل، وقال إن مصر كانت تحاول أن تلعب دورا مستحيلا بمنع الآخرين من الاقتراب من الإسرائيليين، وعبر عن اعتقاده بأن الفرصة ما تزال قائمة لأن تلعب مصر دورا أساسيا إقليميا انطلاقا من مسألتين أولهما قيادة عملية المقرطة والتحديث في العالم العربي، والثانية طرح صياغة جدية للنظام الإقليمي يتجاوز الرؤية التقليدية القديمة لمسالة الأمة العربية والوحدة العربية، مشيرا إلى أن أي دور إقليمي لأي دولة لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي في إطار وضع وتوازنات دولية، ويستحيل على أي دولة القيام بدور إقليمي يتصادم مع أو يتجاهل التوازنات الإقليمية والدولية.
أشار غطاس إلى أن السفير المصري كان أحد الأدوات المصرية للعب ما يسمى بدور إقليمي، حيث العراق أحد الأركان الأساسية في المنطقة، وهناك مصلحة مصرية أصيلة في أن تكون مصر موجودة في العراق. وقال إن الشريف راح ضحية دور ملتبس، علاوة على عدم معرفته بالخريطة السياسية. مشيرا إلى أنه بصرف النظر عن السبب المباشر في اغتيال الشريف فإن الجماعات التي اغتالته واغتالت آخرين تحاول أن تنزع عن النظام العراقي شرعيته الدولية والعربية وأن تمنع العرب عن أن يتواجدوا وأن يلعبوا دورا أساسيا في الحفاظ على الهوية العربية للعراق ووحدته وإنجاح تجربته والوقوف إلى جانب الشعب العراقي.

Share this Post