دروس مستفادة من حملة المجتمع المدني ضد قانون خصخصة التأمين الصحي

In صالون بن رشد by CIHRS

أثار حكم محكمة القضاء الإداري الصادر قبل شهور بوقف تنفيذ القرار الحكومي بإنشاء ما يسمى بالشركة القابضة للرعاية الصحية، ونقل ملكية مستشفيات وعيادات التأمين الصحي إليها ترحيبا واسعا، واعتبر نشطاء ومثقفون أن هذا الحكم أجهض خطة حكومية تهدف إلى تحويل الصحة تدريجياً إلى سلعة تخضع لمنطق الربح.
وفي هذا الإطار عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوة بعنوان “التأمين الصحي في مصر.. ليهما أفضل للناس الخصخصة أم إدارة الدولة؟” أدارها معتز الفجيري المدير التنفيذي للمركز، وأشار في بدايتها إلي التردي الكبير الذي يشهده القطاع الصحي في مصر، في ظل تدهور أوضاع المستشفيات والعاملين فيها، وانتشار وقائع الإهمال الطبي وسرقات الأعضاء.
وفي بداية تعليقه أشار الدكتور محمد حسن خليل استشاري أمراض القلب والمنسق العام للجنة الحق في الصحة إلي ما وصفه بالانعطافتين المتقابلتين في السياسة الصحية في مصر، مفسرا ذلك ببدء وزير الصحة الحالي الدكتور/ حاتم الجبلي عهده بإبداء السخط علي الوضع الصحي العام وبدا الوزير كما لو كان متفقا مع المعارضة علي ضرورة إحداث تغيير في الوضع القائم، فيما نبهت المعارضة إلي أن هناك فارقا بين العيوب القائمة في ذلك القطاع وبين حديث الحكومة عنها بهدف استغلالها للسير بها في اتجاه معين، هو اتجاه خصخصة الخدمات المقدمة في قطاع التأمين الصحي، مضيفا أن حملة المعارضة انطلقت منذ ثلاث سنوات ضد مشروع قانون التأمين الصحي، ونجحت “مؤقتا” في فضح المشروع الحكومي السري وإجهاضه.
أوضح الدكتور خليل أن جوهر المشروع الحكومي يقوم علي تقليل الخدمات وزيادة اشتراكات المواطنين إلى جاني تحميلهم نسبة من ثمن الخدمات المقدمة لهم، والانتقال من تقديم حزمة خدمات شاملة إلي حزمة منتقصة، متهما الحكومة بأنها حطمت مفهوم القانون في مشروعها الذي تقدمت به بشأن التأمين الصحي، واستهدفت منه بيع هذا القطاع وليس تحسينه أو تغيير الخدمات المقدمة عبره، موضحا أن الحكومة قامت في مارس 2007 بإصدار قرار بإنشاء “الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية”، بهدف تحويل جهة الخدمة الصحية من التأمين الصحي إلي شركة قابضة، بما يسلب المنتفعين ملكية المستشفيات لتتم إدارتها علي أسس ربحية، ولتكون الاحتكارات الخاصة في الصحة بديلا للهيكل الحكومي القائم حاليا، وقال الدكتور خليل أن الحكومة حاولت الترويج لمشروعها عبر التركيز علي أن القطاع الصحي يفتقد للجودة، وأن تحقيق هذه الجودة لن يتم إلا عبر المنافسة بين القطات الحكومية والقطاعات الخاصة والأهلية، وأنها تسعي لتطوير القطاع الحكومي لضمان تشغيله علي أسس ربحية تجارية، إضافة إلي الادعاء بالسعي إلي تخفيف الأعباء عن الدولة الفقيرة، لافتا إلي  كذب هذا الادعاء ،  حيث لا تنفق الدولة علي التأمين الصحي، ولكن يتم تمويله من اشتراكات المواطنين.

خطة

وكشف الدكتور خليل عن أن خطة خصخصة التأمين الصحي بدأت في الظهور منذ عام 1998 مؤكدا أن البنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية كانا من الداعمين لتلك الخطة، وموضحا أن البنك الدولي أصدر في العام 2003 كتابا تناول فيه اتجاهات جديدة في إدارة المستشفيات العامة وتحويلها لشركات وخصخصتها علي مراحل تبدأ بإطلاق سلطات الإدارة، وتحويل الهياكل غير الربحية إلي أخري ربحية، وتحويل شكل الملكية إلي الشكل الخاص، وانتقد الدكتور خليل تقديم البنك الدولي تشخيصا موحدا لكل البلدان رغم اختلاف الأوضاع في كل منها عن الأخرى.

دروس مستفادة

فيما أوضح المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت أن حملة الدفاع عن الحق في الصحة ركزت علي الحق في إتاحة الخدمة الصحية ،  وتحليل السياسات الحكومية بهدف إصلاحها، إضافة إلي محاربة التمييز علي أساس الحالة الصحية  ، موضحا أن الحملة نجحت في تعطيل إصدار قانون خصخصة التأمين الصحي عبر دعوى قضائية أقامتها ضد القرار الحكومي بإنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية، والذي استهدف نقل كل أصول المستشفيات والمعاهد إلي شركة جديدة، دون أن يتضمن القانون حظرا علي بيع هذه الأصول أو التصرف فيها.
وقال بهجت أن هذه القضية تقدم نموذجا لخلاف ليس فقط علي أمر تقني أو سياسي، وإنما خلاف علي مسألة إصلاح القطاع الصحي بشكل عام، وهو خلاف فلسفي وأخلاقي وخلاف في الرؤية بين طرفين،  أحدهما يري في القطاع الصحي مجرد خدمة مثل الكباري ومشروعات الصحة وأنه لاتهم وسيلة توصيلها للمواطنين، وطرف آخر يري أن الخدمات الصحية حق والتزام قانوني علي الدولة، مشيرا إلي أن المحكمة كانت حريصة في حيثيات حكمها ضد القرار الحكومي علي أن تظهر أنها منحازة لرؤية أخلاقية معينة ضد رؤية أخري معاكسة.
ورأي بهجت أن قرار إنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية كان كاشفا لما يمكن أن يصل إليه صانعو السياسات من استعلاء علي المواطنين وربما احتقارهم، حيث تم إصدار القرار ونشره في الجريدة الرسمية ليس فقط دون العرض علي البرلمان ولكن أيضا بتجاهل الرأي العام تماما، حيث لم يصدر بيان حكومي واحد بشأنه رغم أن وزارة الصحة من أكثر القطاعات الحكومية إصدارا للبيانات، مضيفا أن كل الهيئات كانت ممثلة في لجنة صياغة القرار بما فيها شركة الاستشارات الأمريكية “ماكينزي”، والوحيد الذي لم يكن ممثلا هو المواطن المنتفع من الخدمة.
واعتبر بهجت أن من أهم فوائد ودروس الحكم القضائي التأكيد علي الأهمية الاستراتيجية للتقاضي كوسيلة حقوقية في مختلف القضايا، كما قطع الحكم خطوة هامة في ترسيخ حماية الحق في الصحة،  رغم عدم وجود مادة في الدستور المصري تنص مباشرة علي هذا الحق، موضحا أن الحكم استند بشكل صريح للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، مضيفا أن الحكم ساند المحاولات الحقوقية لاعتماد التفسير الصادر من الأمم المتحدة للحق في الصحة كما ورد في العهد الدولي.
واستطرد بهجت مشيرا إلي أن الحكم القضائي حمل عدة رسائل للجهات  الحكومية،  في مقدمتها التأكيد علي أن القطاع الصحي جزء من النظام العام وقواعده فوق الدستور، ولا يجوز تغييرها بأغلبية الحزب الحاكم، وأن أي تعديل تشريعي يصدر بالمخالفة للمصلحة المجتمعية سوف يرفضه القضاء، إضافة إلي الرسالة المهمة والمؤكدة علي الدور الهام للمجتمع المدني، مؤكدا أن الدرس الأخر المستفاد في هذا الشأن أيضا هو أهمية تعدد الأدوات حيث تم اللجوء للمؤتمر والبيانات والوقفات الاحتجاجية مؤكدا علي  ضرورة العمل علي تحويل القوي المعارضة للقانون إلي حركة معارضة للحكومة والعمل علي “هلهلة” السياسات الحكومية وفضحها أمام الرأي العام.

إنفاق عام

وبدأ الدكتور عبد الفتاح الجبالي رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وعضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطني حديثه بالتأكيد علي أهمية طرح وتقديم البديل لما يتم نقده من سياسات حكومية، والعمل علي بلورة الحوار المجتمعي حول أية قضية في إطاره السليم والموضوعي، مؤكدا أن التأمين الصحي جزء من المنظومة العامة للصحة، وأن الإنفاق العام علي الصحة يستهدف توصيل الخدمة إلي كافة أطراف المجتمع وفئاته، ورفع العبء عن الفقراء والمحتاجين، مشددا علي أن العبرة ليست بحجم الإنفاق ولكن بكيفيته، موضحا إن الاستثمارات المنفذة في قطاع الصحة تبلغ 5 مليار جنيه بما يمثل 2, 4 % من إجمالي الاستثمار العام في مصر.
أكد ألجبالي أنه رغم زيادة الإنفاق المخصص لقطاع الصحة من 6مليار جنيه في عام 2001 إلي 13 مليار جنيه في الموازنة الحالية، إلا أن هناك تراجع في الاهتمام بهذا الجانب، موضحا أن النسبة الغالبة من هذا الإنفاق تذهب للأجور، ومع ذلك فهناك تدن فيها، موضحا أن تدني الأجور هذا خلق مشكلة التغيب عن العمل داخل القطاع الصحي، إضافة إلي مشكلات أخري مثل انتشار الفساد والرشوة للحصول علي الخدمة الطبية ونقص المستلزمات الطبية في المستشفيات، مشيرا إلي أن الاعتمادات السنوية المخصصة لبعض القطاعات الحيوية كالطوارىء ونقل الدم محدودة للغاية، ولا تتناسب مع الاحتياجات الفعلية للمجتمع، منتقدا اختلال توزيع الإنفاق العام علي الصحة بين قطاعات الريف والحضر، ومطالبا بالتركيز علي إثارة قضية الإنفاق العام علي قطاعات كالصحة والتعليم بما يتناسب مع أهميتها الكبيرة في أي مجتمع.

Share this Post