فى لقاء حول دستورية مد الطوارئ بمركز القاهرة: الجهاز الأمني به خلل علاجه ليس الطوارئ.. والمادة 59 من الإعلان الدستوري التفاف على الإرادة الشعبية

In صالون بن رشد by CIHRS

 عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمس الأحد 2 أكتوبر 2011 لقاء فى إطار صالون ابن رشد حول “مدى دستورية حالة الطوارئ في ضوء الإعلان الدستوري”، لبحث مدى دستورية سريان حالة الطوارئ في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها مصر.

استضاف الصالون عددًا من أساتذة القانون والحقوقيين، هم خالد علي -المحامي الحقوقي ومدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، المستشار محمد فؤاد جاد الله -نائب رئيس مجلس الدولة-، والدكتور محمد نور فرحات -أستاذ القانون بجامعة الزقازيق-، الدكتور رأفت فوده -أستاذ القانون العام بكلية الحقوق – جامعة القاهرة، وأدار اللقاء أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة الدكتور. جابر جاد نصار.

 أفتتح “جابر جاد نصار” اللقاء بوصف حالة الطوارئ بالهم الجاثم على صدر الشعب المصري بمختلف فئاته طيلة ثلاثين عامًا هي عهد “مبارك”، مضيفًَا أنه “بعد رحيل مبارك تمنى كل المصريين أن تزول حالة الطوارئ، وعلى عكس ما خُيل إلى معظمنا، مد المجلس العسكري-المسئول الحالي عن إدارة شؤون البلاد- حالة الطوارئ، لتتخطى المد الزمني، وتتخطى الحالة الخاصة بها أيضًا، لتتوسع إلى حالات أخرى مثل الإضرابات والمظاهرات، و تطول أيضًا حرية الرأي و التعبير”.

أشار نصار في معرض حديثه إلى أن مبارك نفسه لم يكن ليمد حالة الطوارئ ويطبقها على مثل تلك الحالات آنفة الذكر، موضحًا أن المجلس العسكري يخلق حالة من الانفلات الأمني تؤسس للاضطرابات بين فئات الشعب كي يظل متحكمًا في شؤون البلاد.

“حالة الطوارئ التي امتدت طيلة فترة حكم الرئيس السابق كانت بمثابة الجرح في قلب المصريين، إذ تم تمريرها عبر تصدير الرعب من المستقبل” هكذا بدأ المحامي الحقوقي “خالد علي” حديثه عن الطوارئ، معتبرًا أنها أداة للتحكم في الأداء السياسي، تتيح لها عدد من الإجراءات الاستثنائية للحفاظ على السلطة، وهو تحديدًا ما يطبقه المجلس العسكري -حسب خالد على- بالأسلوب والأداة نفسهما اللتان كان النظام يستخدمهما لكي يستبد بالحكم والقرار رغم ما نراه من جلسات ومشاورات.

أكد خالد على أن قانون الطوارئ لم يتم تعطيله بعد تنحي مبارك كما قال المجلس العسكري، وإنما كان مستمرًا بدليل المحاكمات التي تمت أمام القضاء العسكري طيلة فترة حكم العسكر، مشيرًا إلى أن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد قدم طعن أمام المحكمة الدستورية على قانون الطوارئ، وتم تحديد جلسة للنظر في الطعن في نوفمبر القادم، مشددًا على ضرورة وجود إدارة سياسية تقف موقف الحياد من كل القوى، إدارة سياسية عبر انتخابات نزيهة في عدم وجود قانون الطوارئ.

 فى ختام كلمته طالب على رئيس الوزراء أن يتخذ موقفًا تجاه مد حالة الطوارئ نظرًا إلى أن المجلس العسكري قد أقر فرض الحالة حتى عام 2012 مما يمثل اعتداء على الحقوق والحريات!!!

من الناحية القانونية أشار المستشار “محمد فؤاد جاد الله” نائب رئيس مجلس الدولة أن أقصى مدة لتطبيق الطوارئ هي ستة اشهر، وبعد ذلك يستفتى الشعب على تمديدها أو وقف العمل بها، مؤكدًا على أن هذا ما نص عليه الإعلان الدستوري في المادة 59 “أن تبدأ حالة الطوارئ في مارس 2011 وتنتهي في نهاية سبتمبر 2011″، كما أشار إلى أن ما يفعله المجلس العسكري الآن ما هو إلا تطبيقًا للمادة 62 من دستور 1971 و هو الأمر الذي يجعلنا طبقنا قاعدتين دستوريتين الأولى وهي أن الإعلان الدستوري قد اسقط دستور 1971 فلا يمكن العمل بأي من مواده، والثانية هي الأثر الفوري للإعلان الدستوري المتمثلة في أحكامه ونفاذها، حيث نجد أن حالة الطوارئ يجب أن تنتهي بنهاية شهر سبتمبر من العام الجاري.

 كما أوضح جاد الله أن الصراع حول مدى مشروعية حالة الطوارئ إنما هو حالة من حالات الانعكاس الناتجة عن تناحر قوتين “قوة تقتنع بثورة 25 يناير، وقوة أخرى تحاول أن تقمع هذه الثورة”، وتحاول الأخيرة إعادة إنتاج النظام السابق ولكن بمظهر جديد، كي لا يتم تحقيق باقي أهداف الثورة، موضحًا أن حالة التناحر هذه ما هي إلا نتاج طبيعي لسياسة صنع الانقسامات التي تستشري في الواقع المصري بين كافة القوى، و قدم جاد الله تساؤل حول الأوضاع التي تضطر الدولة إلى إعلان حالة الطوارئ، مؤكدًا أن هذه الحالة يمكن أن تفرض في  الأوضاع التي تهدد حياة الأمة والأمن القومي، متسائلاً عن جدوى الطوارئ في ظل ثورة نادت بالحرية؟

 في نهاية حديثه أكد جاد الله على أن المجتمع متفهم وجود شرخ لدى الجهاز الأمني، ولكنه لن يتفهم أن يستخدم هذا الجهاز سلطة الطوارئ كعلاج لهذا الشرخ الأمني.

 “لم ترفع حالة الطوارئ إلا للغزل.. فهذه الحالة جاءت بمجئ العسكر الذي لم يرحل أبدًا” هكذا استهل أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة “رأفت فودة” حديثه، مشيرًا إلى أن الإعلان الدستوري لم يسقط دستور 1971، وان حالة الطوارئ لم تنسخ بفعل الإعلان، إنما الدستور سقط بفعل الثورة، وأن الإعلان لم يأت إلا ليملأ فراغًا.

وعن المادة 59 من الإعلان الدستوري أكد فودة أنها تنص على أن رئيس الجمهورية يعلن حالة الطوارئ منذ بداية صدور الإعلان الدستوري مضيفًا “وإذا طبقنا حالة الطوارئ على نص المادة فيجب أن تلغى وفقًا له، ولكني أرى أن تلك المادة لم تطبق لأن المجلس لم يعلن حالة الطوارئ لأنها لم تسقط، ولأن المجلس ليس رئيسًا للجمهورية”.

من جهة أخرى تسائل فودة عن السند القانوني لبقاء المجلس العسكري في السلطة منذ 25 يناير حتى الآن خلاف الإعلان الدستوري، وبأي سند قانوني يتفاوض باسم الشعب؟؟

إن الحكومة والمجلس العسكري قد اعترفا بالثورة، وبالثورات تسقط الدساتير، أضاف فودة أنه بالعودة إلى ثورة يوليو 1952 نجد أن من تولى حكم البلاد هم الثوار “القوات المسلحة وقتها” وليس من ساندهم “أي الشعب”، وهو ما كان يجب أن يحدث بعد ثورة 25 يناير أي أن يحكم الثوار وليس من ساندهم، وانطلاقًا من سقوط الدستور بقيام الثورة فلا يمكن التعديل فيه حيث لم يعد له وجود أو شرعية، وتسائل فودة كيف يأتي المجلس العسكري بتسع مواد ليتم الاستفتاء عليها، ثم ينتج لنا إعلانا دستوريا يضفي مشروعية على وجوده كي يستمر في حكم البلاد، كما إنه بسقوط الدستور تسقط بالتبعية كافة القوانين التي تعارض مبادئ الثورة ومنها قانون الطوارئ.

من جانبه أكد “محمد نور فرحات” أستاذ القانون بجامعة الزقازيق على وجود فارق بين قانون الطوارئ وحالة الطوارئ، فالقانون هو الذي يجيز فرض الحالة، وهذا يستدعي وجود تهديد على أمن الدولة، ولا يمكن تطبيقها إلا بموافقة مجلس الشعب.

من ناحية أخرى أشار نور إلى أن الاتفاق والصمت عن مثل هذه الحالة قد أوجد عادة مهنية لدى رجال الشرطة أن يتعاملوا مع المواطنين بكافة الطرق المنصوص عليها في قانون الطوارئ.

 وتسائل عن معنى تفعيل حالة الطوارئ، حيث أن المتعارف عليه أن القانون يطبق أو يلغى، لكن تفعيله، يدل على أن الحالة والقانون قائمان بالفعل ولكن غير معمول بهما، وهذا يعتبر لغطًا قانونيًا، ، كما وصف قرار المجلس العسكري بتمديد حالة الطوارئ بأنه خطر قانوني حيث أنه أضاف على تمديدها توسيع مجال تطبيقها لتشمل جرائم مثل إثارة الشائعات والأكاذيب وغيرها، وهذا يخالف ما تم الاتفاق عليه خلال مجلس الشعب عام 2010.

وحول تفسير المادة 59 من الإعلان الدستوري انقسمت وجهات النظر إلى وجهتين أحدهما تتمثل في رئيس القضاء العسكري واللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية، والأخرى المستشار طارق البشري و الدكتور محمد سليم العوا، أوضح فرحات أنهما اختلفا في تفسير الفقرة الأخيرة من المادة 59 التي تنص على “في جمع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر، ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك” فمن جانب المستشار البشري اعتبر أن حالة الطوارئ أعلنت من جديد فور الإعلان الدستوري والتي ستستمر ستة اشهر، أما اللواء ممدوح شاهين رأى أن حالة الطوارئ معلنة قبل صدور الإعلان الدستوري وهذا مما يستدعي تفسير حالة الإعلان وحالة السريان التي يتحدث عنها المجلس العسكري، وغير منصوص عليها بالإعلان الدستوري.

طالب فرحات المجلس العسكري ومجلس الوزراء بالتوجه إلى مجالس الدولة حيث المشورة القانونية، حيث المادة 62 من قانون مجلس الدولة التي تنص على “أنه يجوز أخذ رأي الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة في المسائل القانونية والدولية والدستورية التي يرى رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو وزير العدل اخذ الرأي فيها”، بدلاً من أن يصدر المجلس العسكري بيانًا كما لو كان هو صاحب الفصل في مسألة فقهية دقيقة. مشيرًا إلى أن هذا يعد تعطيلاً لمؤسسات الدولة المختصة في هذا الشأن.

 كما شدد فرحات على وجود قوانين نافذة من شأنها أن تعيد الأمن إلى الشارع المصري، ولكن القصور يكمن في الأجهزة الأمنية التي لم تعمل بكفاءة لتطبيقها، وعندما يتحقق هذا سنجد إننا لسنا في احتياج إلى مثل هذا القانون أو هذه الحالة.

ومن ناحية أخرى تسائل الحضور عن الفرق بين الأحكام العرفية وحالة الطوارئ؟ كما تسائل البعض عن مدى شرعية الحكم العسكري، وهل وجوده في السلطة يعطيه إمكانية تعديل مواد الدستور؟

أجاب  “فودة” بأنه لا فرق بين الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، وعن تعديل مواد الدستور أضاف أن المجلس العسكري التف حول الإرادة الشعبية وألغى المادة 179 في دستور 1971 ليضع مكانها المادة 59 من الإعلان الدستوري، وان ما يتم الآن من تعديل بشأن قانون مجلس الشعب والشورى وفرض نظام انتخابي جديد يعد التفافًا أيضًا لأن الانتخاب يجب أن يكون كيفما يرتضي الشعب، وأكد أن ما يحدث الآن يجب أن يكون تحت مسمى الشرعية الثورية وليس تحت أي مسمى أخر وهذا ما قاله “عصام شرف”؛ ولكن ما يحدث على أرض الواقع خلاف ذلك.

 وعن مدى شرعية المجلس العسكري وضح “جاد الله” أن الشرعية جاءت من الشعب، وبمقتضى هذا يمكن أن تسحب منه الشرعية من قبل الشعب أيضًا.

Share this Post