خبراء وسياسيون يطرحون مخاوف حول التعديل الدستوري في مصر

In صالون بن رشد by CIHRS

حذر نشطاء وممثلون لتيارات سياسية مصرية مختلفة من أية محاولات تستهدف تفريغ قرار الرئيس مبارك بتعديل المادة 76 من الدستور الخاصة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية من مضمونها، مختلفين فيما بينهم حول تقييم دوافع اتخاذ مبارك لهذا القرار فيما أجمعوا على ضرورة وجود “مكملات” لهذا القرار لوضعه موضع التنفيذ الحقيقي والابتعاد عن تنفيذه بالنهج “التونسي” في الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية.
وأشار بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في ندوة نظمها المركز تحت عنوان “استبدال الاستفتاء بالانتخاب.. إصلاح سياسي أم خطوة على طريق النهج التونسي”؟! إلى المفاجأة التي أحدثها إعلان الرئيس مبارك بطلبه لمجلسي الشعب والشورى بتعديل المادة 76 من الدستور، خاصة وأنه سبق وأن صدرت عنه تصريحات قبل ذلك الإعلان بمدة 4 أسابيع فقط وقبيل سفره إلى القمة الأفريقية التي أوضح من خلالها رفضه لفكرة تعديل الدستور قبل الاستفتاء القادم والانتخابات البرلمانية المقبلة ووصفه لمطلب التعديل بأنه “باطل” وقبل الإعلان عن هذا التعديل بدأت جولات حوار ما بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة قدمت خلالها أحزاب المعارضة تنازلات للحزب الحاكم بالتخلي عن فكرة المطالبة بتعديل الدستور على الأقل قبل الاستفتاء القادم.
كما سبق ذلك تصريحات مماثلة لكل من الأمين العام للحزب الحاكم ووزير الداخلية وكلها استبعدت إمكانية تعديل الدستور، هو الأمر الذي جعل من إعلان الرئيس بطلب التعديل مفاجأة كبرى لأنها لم يكن لها مقدمات.
وأوضح حسن أنه وعقب الإعلان عن طلب التعديل ظهرت كتابات من جانب المفكرين والمثقفين المصريين تبارك الخطوة، رغم أن أصحابها كانوا –وقبل الإعلان عن التعديل- من المعارضين لمن يطالب بالتعديل أو يتحدث عن أي إصلاح دستوري شامل.
وطرح حسن تساؤلات حول مبررات اللجوء لهذا التعديل وما يشبه الانقلاب –وذلك على حسب تعبير حسن- من كون التعديل باطل ثم الشروع به واعتباره ثورة ديمقراطية في مصر وكذلك حول مضمون هذا التعبير، وهل هو كيفي يحدث بشكل خاص في الانتخابات القادمة، أم أنها ستكون مشهداً من مشاهد الحياة السياسية خلال السنوات القادمة وهل تعتبر هذه المبادرة خطوة على طريق الإصلاح السياسي في مصر أم أنها خطوة تم استيرادها من التجربة التونسية التي تسعى مصر للاستفادة منها.
وفي معرض الإجابة عن تلك التساؤلات قال الأمين العام للحزب العربي الناصري أحمد حسن: إن الحزب منذ إنشائه كان وما زال يطالب بعدد من التعديلات كان أهمها تعديل مواد الدستور حتى تكون هناك ممارسة ديمقراطية وفي مقدمتها المادة 76 وهو المطلب الذي انفرد به الحزب الناصري دون الأحزاب الأخرى التي أرجأت الحديث عن التعديل لما بعد الاستفتاء والانتخابات البرلمانية القادمين، ومع ذلك فإن الحزب ما زال يطالب بتعديل المادة 77 المتعلقة بمدة الرئاسة وأيضا المادة 74 المتعلقة بسلطات رئيس الجمهورية بجانب المطالبة برفع العمل بقانون الطوارئ.
واعتبر حسن أن الإعلان عن تعديل المادة 76 وحده لا يكفي ولا يشبع مطالب الحزب لأن ممارسة الحياة السياسية متكاملة ولا يمكن اختزال مواد الدستور، ولكن كونه حدث تعديل فإنه لابد من التعامل معه ولكن في إطار الضمانات اللازمة لتفعيلها.
وأوضح أن أهم تلك الضمانات هى حزمة قوانين جديدة تتبع التعديل الأخير تعيد تنظيم مباشرة الحقوق السياسية لأنه –في رأي حسن- لا يمكن للأحزاب أن تمارس حقها المشروع وتنزل للجماهير في ظل العمل بقانون الطوارئ وإن كانت الأحزاب مستثناة من شروط الترشيح التي لم يتم الإعلان عنها بشكل نهائي حتى الآن.
وأعلن حسن عن رفض الحزب العربي الناصري لأن يكون الإشراف على الانتخابات الرئاسية من اختصاص لجنة يرأسها رئيس مجلس الشعب، وإنما يجب أن تكون من مهمة جهة محايدة لأنه من غير المقبول -والكلام للأمين العام للحزب الناصري- أن تكون لجنة الإشراف تابعة للسلطة واقترح أن تتألف اللجنة المحايدة من بين مستشارين من محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا على أن يرأسهم أقدم مستشار. كما يكون من حق المرشحين مؤتمرات جماهيرية واستخدام الملصقات الإعلانية، هذا بجانب ضرورة وجود قانون معدل للممارسة السياسية وليس عن طريق الدستور، وإنما من خلال صياغة قانونية معينة.
وأعرب حسن عن اعتقاده بأن التعديلات الأخيرة ما زال بها عوائق تعجيزية أمام الراغبين في الترشح للرئاسة منها اشتراط الحصول على تزكية نسبة معينة من أعضاء المجالس المنتخبة وهو ما يصعب الحصول عليه، خاصة وأن النسبة الغالبة منها تابعة للحزب الحاكم، هذا بجانب مشكلة التمويل التي لا يقوى عليها مرشح عادي، وبالتالي فإن ذلك يفتح الباب أمام الأموال الخارجية، ومن ثم تكون هى الأساس والمحرك للعملية الانتخابية.

مفاجأة

وقال الناشط جورج إسحق عضو الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) أن التعديلات التي أعلنت عنها القيادة السياسية كانت مفاجأة ولم يكن التعديل في الدستور على هوى الأحزاب السياسية، بما فيها الحزب العربي الناصري، الذي كان يرفض أي تعديل في الدستور على اعتبار أن التعديل من شأنه أن يضيع مكاسب ثورة يوليو وغيره من التيارات السياسية، ومع ذلك جاء طلب التعديل ليمثل تغيرا ملحوظا في توجهات القيادة السياسية، مما يؤكد أنه كان نتيجة لضغوط تمت ممارستها من جانب الأحزاب ومختلف القوى والتيارات السياسية، وهو ما يعني –في رأي إسحق- ضرورة أن تتصدر الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومختلف القوى السياسية الصفوف وتقتحم القيود التي فرضها الحزب الحاكم على أنشطتها من أجل التغيير، لما هو أفضل للممارسة السياسية، مؤكدا أنه لا حريات بدون تضحيات.
ولخص إسحق المطالب التي تسعى إليها الحركة (كفاية) كغيرها من التيارات الهادفة للتغيير وهى إلغاء قانون الطوارئ والقوانين سيئة السمعة، وأيضا فتح كل الملفات التي من شأنها إحداث تغيير جوهري معتبرا أن التعديل الأخير والمتعلق بالمادة 76 يمثل بداية لمعركة تغيير دستورية، وأخرى سياسية، ويجب استغلال هذا الأمر من أجل إحداث التغيير المطلوب، مؤكدا على أهمية التمسك بأنه لا للتوريث ولا للتمديد للرئاسة.

شكوك

ووصف نبيل عبد الفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية التعديل الأخير بأنه لا يهدف إلى إصلاح بالمعنى المقصود، ودلل على ذلك بالنسبة التي تم تحديدها للترشيح وهى الحصول على موافقة نسبة 20% من أعضاء المجالس المنتخبة، والتي تتمثل في مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية، وهو شرط تعجيزي حتى وإن وصل إلى 3% أو حتى 2% كما يطالب البعض.
وقال عبد الفتاح إن هناك شكوكاً في مصداقية وشرعية البرلمان بسبب الأحكام الصادرة ببطلان عضوية العديد من الأعضاء، وهو الأمر الذي لا يمكن معه التسليم بموافقة البرلمان على من يرغب في الترشيح لمنصب الرئيس، مؤكدا أن الضوابط والتي تتحدث عنها السلطة إما هى محاولة عمدية لحصر الجدل السياسي والشعبي حول التوريث والإصلاح السياسي ومطالبه، وظهر ذلك في حملة إعلامية استهدفت الترويج لهذا التعديل على غير الحقيقة، لأن اللعبة السياسية ما زالت في شكل جزئي وليست هناك فرص للإصلاح الشامل.
وأشار عبد الفتاح إلى أن التعديل الذي تم الإعلان عنه يدور حول بعض المواد الدستورية وليس حول الإصلاح، ومن ثم فإن التعديل لا يمس جوهر الإصلاح السياسي أو حتى الدستوري.
وانتقد عبد الفتاح الأحزاب السياسية وقال إن هناك جمودا سياسيا تعاني منه الأحزاب، وهو ما ظهر في الاستجابة لدعوة الحزب الحاكم لحوار وطني تم خلاله التنازل عن مطالب الأحزاب والتي كانت من بينها تعديل الدستور، ثم عادت الأحزاب لتباركه مع أنه تعديل لم يكن لها فيه أي دور، وهو الأمر الذي وضع الأحزاب في مأزق البحث عن شخصية تلقى القبول العام كي يتم ترشيحها للرئاسة، مؤكدا على افتقاد الأحزاب لرؤية شاملة على صعيدي الإصلاح السياسي والدستوري بسبب عدم المعرفة بالدساتير المقارنة.
وفي رأي عبد الفتاح فإن التعديلات تهدف إلى إضفاء الشرعية على فترة ولاية خامسة للرئيس مبارك، وإغلاق الباب أمام أي حديث عن التوريث الذي زادت حدته في الشارع السياسي في الآونة الأخيرة.
ونفى عبد الفتاح أن تكون مصر نظاما يقوم على فكرة التوريث، وإنما تقوم على أساس نظام سياسي له ثقله؛ ومن ثم فإن الحديث عن التوريث ليس له ما يبرره؛ لأن فكرة انتقال السلطة –في رأي عبد الفتاح- ليست موضوعا إجرائيا، ولكنها تتعلق بالنظام الجهوري، هذا بالإضافة إلى أن مصر دولة عريقة وذات نظام سياسي ثقيل لا يمكن تغييره بسهولة.
ولفت عبد الفتاح النظر إلى أهمية المطالبة بإجراء تحديث على الدستور بما يسمح بممارسة سياسية أفضل وبما يعالج الخلل الواضح في الأداء السياسي ورفض نظام التعديل بالقطعة الذي يضر أكثر مما ينفع.

صحوة

وبدأ نجاد البرعي مدير جماعة تنمية الديمقراطية حديثه بإعلان رفضه للتعديل الدستوري الذي أعلن عنه الرئيس مبارك، مشيرا إلى أن تعديل الدستور في الوقت الحالي لن ينتج سوى دستور مشوه وهزيل، معتبرا أن أحزاب المعارضة كان عليها أن تقاتل من أجل عدم تعديل الدستور الآن في ظل البرلمان الحالي وسيطرة السلطة التنفيذية على كل مقاليد الأمور بالبلاد، مدللا على ذلك بما حدث في قانون الجمعيات الأهلية رقم 32 لسنة 1964، الذي ألغته الحكومة وجاءت بقانون جديد يضاهيه في السوء.
قال البرعي إن تغيير الدستور يجب أن يكون نهاية لطريق طويل يبدأ من تحرير المجتمع المدني، وأن المطالب يجب أن تتركز على أن الحرية قبل الديمقراطية، وإطلاق طاقات المجتمع الحية تمهيدا لاختيار جمعية تأسيسية تقوم بوضع دستور جديد، مشيرا إلى أن كل الدساتير في مصر منذ عام 1923 لم تشكل لها لجنة تأسيسية.
لكن البرعي اعتبر أن المجتمع يمر بحالة من الصحوة الحقيقية مدللا على ذلك بإعلان رئيس الحزب الناصري موافقته على إمكانية إلغاء نسبة الـ 50% للعمال والفلاحين، إذا كانت تمثل عقبة أمام التعديل الدستوري إلى جانب وجود مؤشرات على موافقة جماعة الإخوان المسلمين على إلغاء المادة الثانية من الدستور، والتي تقضي بأن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع في البلاد. وفي نفس الوقت أكد البرعي أن التعديل الدستوري أطلق رصاصة الرحمة على توافق المعارضة، وجدد التأكيد على أن المعارضة ترقص على إيقاع المحكومة وأنها دائما ما تمثل خطواتها رد فعل لخطوات الحكومة وقراراتها.
أكد البرعي على ضرورة البدء بإطلاق حريات الإعلام والتعبير وإطلاق حرية إطلاق الصحف وخصخصة الإذاعة والتلفزيون، مشيرا إلى أن التعاطي مع تعديل المادة 76 من الدستور يجب أن يكون في حدود لأنه لم يشارك أحد في قرار تعديلها.
شكك البرعي في شرعية البرلمان الحالي والقادم أيضا، وقال إن خطورة تعديل الدستوري صارت في نفس الإطار الذي يحدث بلدان عربية أخرى كاليمن وتونس. وقال إنه يجب تعديل المادة 77 الخاصة بفترات الرئاسة إلى جانب أن يتخذ الرئيس قرارا من اختيارين بأن يجعل لنفسه كل الصلاحيات –الممنوحة له بالفعل- ويكون مسئولا أمام البرلمان أو أن ينأى بنفسه عن كل ذلك ويقوم بتقليص اختصاصاته إلى الحدود الدنيا، بما يجعل رئيس الوزراء مسئولا أمام البرلمان ويكون الرئيس حكما بين السلطات، ودعا البرعي إلى دراسة معضلة القوات المسلحة في النظام السياسي المصري، مشيرا إلى أن التغيير في مصر منذ ثورة عرابي لم يحدث سوى عن طريق الجيش أو التدخل الخارجي، وقال إنه لا زال هناك أمل في تجديد شباب النظام السياسي وإدخال عناصر جديدة إليه، مؤكدا أنه لا يمكن تحمل تبعات انهيار غير منظم لهذا النظام.

Share this Post