هل تحتاج مصر الإخوان المسلمين لكي تصبح دولة دينية؟!

In صالون بن رشد by CIHRS

رغم إسدال مجلس الشعب المصري الستار على الأزمة التي أثارتها تصريحات وزير الثقافة فاروق حسنى ضد الحجاب , إلا أن تداعيات الأزمة لا زالت تلقى بظلالها على الساحتين الثقافية والسياسية المصرية ,حيث أطلق مثقفون تحذيرات مما وصفوه بسعي جماعة الإخوان المسلمين إلى إقامة ” دولة دينية ” في مصر على خلفية هذه الأزمة. وقد نوقشت أصداء هذه الأزمة في ندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد، في 5 ديسمبر2006، تحت عنوان: “أزمة الحجاب أم الدولة المدنية .. هل تحتاج مصر الإخوان المسلمين لكي تصبح دولة دينية؟!”.
قال صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة، أن جماعة الإخوان المسلمين تلعب دورا لتشكيل قوة ضغط اجتماعية وشعبية في مصر لإقامة الدولة الدينية مشيرا إلى أن الدولة الدينية هي تلك التي تنحاز في تشريعاتها ووظائفها وتنظيماتها لأتباع دين معين من رعاياها ، وأن جماعة الإخوان ليست وحدها المناصرة لإقامة هذه الدولة في مصر ولكن أيضا كل التيارات الإسلامية المتشددة ، متهما الجماعة وهذه التيارات بأنهم يقومون بابتزاز من حولهم في المجتمع.
دعا عيسى نواب جماعة الإخوان ومن وصفهم بأنصارهم من نواب الحزب الوطني الحاكم إلى التقدم بمشروعات قوانين إلى البرلمان تدعو لفرض الحجاب على كل المصريات وتطبيق الحدود الواردة في الشريعة الإسلامية وقال إن الجميع من الإخوان ونواب الحكومة والمعارضة والمستقلين ووسائل الإعلام قاموا بالمتاجرة بالدين في أزمة الحجاب لكسب المزيد من الأصوات في الدوائر الانتخابية.
اتهم عيسى جماعة الإخوان بتقديم برامج وشعارات غامضة وحملهم مسئولية عدم فتح باب الاجتهاد المغلق منذ القرن الرابع الهجري ، وقال أن على الجماعة تقديم اجتهاد يسمح لهم بالتواجد على خريطة دولة مدنية عصرية ، وأعلن عيسى رفضه الدعوة لانتخاب شيخ الأزهر ، وقال أن هذا الأمر إن تم سيحول الأزهر إلى سلطة دينية في حين إن مهمته هي الدعوة والبحث العلمي والاجتهاد.
أكد عيسى أن وزير الثقافة نفى مناسب إليه من أنه سيجعل من وزارته حائط صد ضد انتشار الحجاب , مدللا على ذلك بوجود موظفات يرتدين الحجاب بالوزارة دون التعرض لأي إجراء أو اضطهاد لهن وقال عيسى أن المتاجرة بالدين أمر لابد يقلق منه المسلمون ,لافتا إلى إثارة البعض لموضوع منع المذيعات المحجبات من العمل بالتليفزيون المصري دون الإشارة إلى أن هذه مهنة لا تليق بالمحجبات .
تساءل عيسى عن فكرة المرجعية في الدولة التي يتحدث عنها الإخوان المسلمون وقال : هل ستكون هذه المرجعية هي مكتب الإرشاد بالجماعة أم الأزهر ؟
وفى حديثه تناول الدكتور جعفر عبد السلام عضــــو مجمــع البحــــوث الإســــلامية والأميــن العــام لرابطة الجامعـات الإســــلامية، ظروف إقرار المادة الثانية من الدستور والخاصة بالشريعة الإسلامية , وقال إن بعض القضاة حاولوا تطبيق نص هذه المادة مباشرة في بعض الدعاوى القضائية ، لكن المحكمة الدستورية العليا رأت أن هذا النص ليس ملزما للقاضي وأنه موجه فقط للمشرع وأن المشرع يجب أن يتقيد بالمبادئ والأصول العامة للشريعة حين التشريع .
استطرد عبد السلام مشيرا إلى الإجماع في الإسلام على أن الحجاب أحد الشعائر المتصلة بالعقيدة وأن ممارسته جزء منها ، وربط بين ذلك ومواثيق حقوق الإنسان التي تؤكد على حرية العقيدة وحرية ممارسة طقوسها .
وقال أنه لم يحدث في التاريخ الاسلامى أن تم فرض الحجاب على أحد مشيرا إلى الاختلاف بين السنة والشيعة بشأن الدولة الدينية حيث يؤمن الشيعة بولاية الفقيه وهو الأمر الغير موجود لدى السنة.

أكد الدكتور عبد السلام أنه لا وجود للدولة الدينية في الإسلام وأنه – الإسلام – يجعل للشعب والأمة الحق في اختيار من يمثله معبرا عن اعتقاده بأنه ليس من مبادئ جماعة الإخوان المسلمين إقامة دولة دينية، وقال الدكتور عبد السلام إن ما أثار الزوبعة في موضوع الحجاب هو وصف وزير الثقافة له – أي الحجاب – بأنه تخلف وارتداد للوراء ، معتبرا أن جماعة الإخوان رأت في الأمر فرصة لاصطياد الوزير؛ باعتبارها اتجاها سياسيا معارضا للحزب الذي يمثله الوزير، ووصف عبد السلام ما حدث بأنه أمر تافه ولم يكن يجب المزايدة فيه.

واعتبر الدكتور مصطفى الفقى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، إن أزمة الحجاب الأخيرة تعبير عن أزمة الحرية في مصر مؤكدا أن وزير الثقافة فنان تشكيلي تعلو قيمة الجمال عنده على قيمة الحق ، لكنه كان متجاوزا لحرية الآخرين في تصريحاته بشأن الحجاب ، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الوزير تعرض من قبل معارضي تصريحاته لهجمة شرسة كانت أقرب للإرهاب الفكري ، وقال الفقى أن نواب الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الوزير كانوا أسبق من الجميع في هذه الهجمة معتبرا أن الخطورة في ذلك الأمر تكمن في سعى هؤلاء النواب لممالأة الشارع الانتخابي على حساب قضية ترتبط بتطور المجتمع وهى قضية الحرية.

لفت الفقى إلى ما وصفه باختناق الحريات في العالم العربي وغياب السماحة ومساحات الحوار الطبيعي ، وقال إن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن ألبنا كانت لديه مساحة واسعة للحوار ، ولم يتعصب لراية أو يكفر أحدا مشيرا إلى أن هناك العديد من فرائض الإسلام لا يتم تنفيذها وفى مقدمتها فريضة التفكير.
وقال الفقى أنه يجب الاعتراف بأن موجة التدين بدأت تكتسح العالم العربي والاسلامى ، مرجعا ذلك في رأيه إلى تنامي الإحساس لدى المسلمين بضرورة البحث عن هويتهم ، ورفضهم لما يجرى حولهم من أحداث تستهدف العالم الاسلامى وتجعل 80% من لاجئي العالم من المسلمين ،وحمل الفقى على الجانب الاسلامى ما وصفه بالتشنج إزاء أي أمر يمس العقيدة كما حمل على شيخ الأزهر الحالي الدكتور سيد طنطاوي معتبرا أنه قدم تصريحات غير موفقة في كثير من المواقف ومن بينها أزمة الحجاب في فرنسا وأزمة الرسوم المسيئة للنبي الكريم ،وقال الفقى أن المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر ضعيفة وردود أفعالها متأخرة ، وإذا جاءت تكون مبهمة ، مرجعا ذلك إلى أن هذه المؤسسة مكبلة وظيفيا باختيار شيخها بالتعيين إلى جانب توقفها عن إرسال البعثات لتلقى العلوم في الخارج.
أكد الفقى على أن وزير الثقافة قام بجهود كبيرة في ترميم الآثار الإسلامية، وأنه ليس عدوا للإسلام لكنه كان فقط غير موفق في تعبيراته، منتقدا إقامة المقصلة ومحاكم التفتيش للوزير بشكل مبالغ فيه بسبب تصريحاته ، وأشاد الفقى بإعلان المرشد العام لجماعة الإخوان أن هذا الأمر أخذ أكثر مما يستحق.
وأشار إلى أن الفارق بين الدولة الدينية والدولة المدنية معروف وأن الخطورة في الأولى أنها ترفع النص المقدس وترى أنه هو المصدر متفقا مع أن الإسلام لم تكن بت دولة دينية .
من جانبه وصف صبحي صالح القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس الشعب أزمة الحجاب بأنها أزمة سباب!! بعد قيام وزير الثقافة بسب الحجاب مشيرا إلى أن الحجاب مسألة مقررة في الشريعة وغير مطروحة للجدل والنقاش كما أنه سلوك اجتماعي.
وقال صالح أن من نقل الأزمة للبرلمان ليس جماعة الإخوان المسلمين ، ولكنه الوزير نفسه الذي أعلن أن وزارته يجب أن تكون حائط صد ضد الحجاب ، متجاوزا بذلك صلاحياته الوظيفية، وأشار صالح إلى أن رئيس مجلس الشعب تلقى 150 بيانا عاجلا بشأن تصريحات الوزير بما يعنى إن الأمر لم يكن يخص نواب الإخوان وحدهم ،وإنما شارك فيه عدد من رموز الحزب الوطني الحاكم ، وأوضح أن نواب الإخوان تناولوا مخالفة تصريحات الوزير للدستور واستخدامه ألفاظا تتجاوز حدود اللياقة والأدب ضد المحجبات .
وقال صالح أن قوة رد الفعل تجاه تصريحات الوزير ترجع إلى حجم الكراهية غير المسبوق للحزب الحاكم ووزرائه ، إلى جانب شخصية وزير الثقافة المثيرة للجدل ، مشيرا إلى أن جزءا من الناس انفعل بالقضية وجزء أخر يكره الحزب الحاكم وجزء ثالث استدعى رفض وزير الإعلام تعيين المذيعات المحجبات رغم حصولهن على إحكام قضائية لصالحهن.
أكد صالح إن الإخوان يدعون لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية وفق مبادئ الشريعة وليس الفقه الاسلامى ، ولا يدعون إلى دولة دينية مدللا على ذلك بأدبيات وإصدارات الجماعة التي تؤكد على إن الأمة هي مصدر السلطات.
وقال صالح أن المرجعية في الإسلام لا تحددها جماعة الإخوان أو أي أحد من الناس و أن هناك مبادئ في الدين لا تحتاج تحديدا من أحد وهناك ثوابت ومقاصد عامة وأن المسألة سابقة على وجود الإخوان وستبقى بعدهم ولفت إلى خطأ القيا س على الدولة الشيعية لكون المسلمين السنة لا يؤمنون بعصمة الإمام أو ولاية الفقيه.
ورفض صالح اتهام الجماعة بالابتزاز، والإرهاب وقال إن جماعته تقوم على الفكر التربوي والموضوعية وعدم التشنج.
واستنكر بهي الدين حسين مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، تحول تصريحات عارضة لوزير في قضية تتعلق بالحرية الشخصية إلي قضية عامة في المجتمع فرضت نفسها، واقتحمت جدول أعمال مجلس الشعب، وقال إن الشأن الديني أصبح هو المرجع لمناقشة جميع القضايا تقريباً، وتساءل: ما علاقة تصريحات الوزير بإعلانه عن تشكيل لجنة للشؤون الدينية بالوزارة عقب الأزمة؟
عبر بهي عن خشيته من أن يكون لتناول موضوع الحجاب بالشكل الذي تم تأثيره فيما يتعلق بقضية الحرية، وقال إن الحجاب قضية شخصية ترجع للقناعات الشخصية، مشيرا إلى أن بعض العبارات التي ذكرت في مجلس الشعب ضد وزير الثقافة لا يصح أن تقال حتى في غرفة مغلقة حيث طالت الوزير اتهامات بالتكفير والتخوين في مجتمع يعرف الجميع فيه أن مثل هذه الاتهامات قد تودي بحياة من توجه إليه ، وقال بهي أن الدولة الدينية هي تلك التي يعتقد حكامها أنه يتم إدارة الأمور فيها بتوجيه إلهي بما يعني أنه ليس بالضرورة أن يحكمها علماء الدين ، وأشار إلى أن بعض الدراسات تعرف مصر على أنها دولة دينية دستورية.
قال بهي أن المشكلة ليست في نوايا أو أقوال جماعة الإخوان حين تتحدث عن أنها لا تطالب بدولة دينية ولكن المشكلة في تصاعد دور المؤسسة الدينية في الواقع السياسي المصري.
وفي تعليقات المشاركين تساءل البعض عن المتسبب في إضعاف المؤسسة الدينية ، فيما أشار البعض الآخر إلي أن الحزب الوطني كان يزايد علي الإخوان في قضية الحجاب حتى لا يتهم بأنه حزب علماني ، وتساءل البعض الآخر عن أسباب عدم قيام الإخوان بثورة مماثلة عند وقوع كارثة غرق العبارة السلام 98؟!

Share this Post