هل تفلح زيارة ترضية لعشر ساعات في حفظ ماء وجه الحكومة المصرية؟ (1-2)

In مقالات رأي by CIHRS

بهي الدين حسن

بعد نحو ٥ أسابيع من اندلاع “أزمة” قرار البرلمان الأوروبي بخصوص حقوق الإنسان في مصر في ١٧ يناير الماضي، يوشك ملف الأزمة أن يغلق بزيارة “الترضية”، التي قام بها هانز جيرت بوترينج رئيس البرلمان الأوروبي لأقل من ٢٠ ساعة، حيث وصل الأحد ٢٤ فبراير ظهرا وغادر ١٠.٣٠ صباح الاثنين، التقي في المساء رئيس البرلمان المصري فتحي سرور وألقي كلمة أمام البرلمان، وعقد مؤتمرا صحفيا واجتمع مع عدد من منظمات حقوق الإنسان. وإذا خصمنا ساعات تناول الطعام والنوم، فإن هذا يعني أن مهمة “الترضية” استغرقت أقل من عشر ساعات.

هدف الزيارة المتفق عليه سلفا بين الجانبين – دون لف أو دوران- هو الترضية، وليس الاعتذار، أي تسهيل عودة الحكومة المصرية عن قراراتها العنترية، دون أن تفقد ماء الوجه، وبالتالي تعود لاستئناف حضور الاجتماعات الثنائية والجماعية، بداية بالاجتماع المقبل للبرلمان الأورومتوسطي. ولكن فتحي سرور لم يستطع الانتظار حتي ٢٤ ساعة ليناقش الأمر مع رؤساء أحزاب المعارضة وغيرهم، ممن سيقفون في زفة المقاطعة “الوطنية” لأوروبا، فاتخذ قراره علي الهواء خلال المؤتمر الصحفي مع بوترينج، وأعلن أنه سيقاطع المقاطعة، ويطير لأثينا بعد ٣ أيام! رغم أن قرار البرلمان الأوروبي لم يجر سحبه أو الاعتذار عما جاء فيه.

فقد قال بوترينج أمام أعضاء البرلمان المصري “إن البرلمان الأوروبي له الحق في انتقاد الانتهاكات التي تحدث في الدول الأخري، وأنه لا يستطيع تغيير قرار البرلمان الأوروبي وأن من واجبه الدفاع عنه”.

فالقرارات في البرلمانات التي تحترم نفسها وتحترم الشعوب التي انتخبت ممثليها فيها، لا يجري التخلي عنها، ما لم يثبت مجافاتها للحقيقة. والحكومة والبرلمان المصريان لم ينفيا أي واقعة أو معلومة تضمنها القرار.

وكان فتحي سرور قد سلم بذلك قبل زيارة الترضية بأيام، عندما صرح “بكرم حاتمي” بأنه تراجع عن طلب الاعتذار، وصدرت التعليمات لأعضاء البرلمان المصري لكي يتحلوا “بالأدب”، فامتنعوا عن توجيه أي سؤال لبوترينج عن قرار البرلمان، الذي كنا نظن أن دم “الوطنية” ما زال يتفجر في عروقهم، غضبا علي انتهاك السيادة الوطنية المأسوف عليها! بل إن سرور كان قد وجه دعوة رسمية لرئيسة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي لزيارة مصر، وهي اللجنة التي أعدت مشروع القرار!

وكان رد الفعل الحكومي/ البرلماني الهستيري قد تضمن استدعاء السفراء الأوروبيين والاحتجاج لديهم. وإصدار البيانات الشاجبة بالجملة، التي لا تناقش معلومة أو واقعة واحدة، تناولها قرار البرلمان الأوروبي. والإبداع في تطبيق نظرية المؤامرة علي القرار، فمرة تقف خلفه ضغوط إسرائيلية، ومرة أخري عضوة إسرائيلية! في البرلمان الأوروبي، ومرة يقف وراءه عضو يهودي الديانة، ورابعة تقف وراءه سيدة مقيمة بالقاهرة تتمتع بحصانة دبلوماسية! أو دولة أوروبية معينة تم تحذير سفيرها في مصر تمهيدا لطرده، ومرة سادسة تقف وراءه منظمات حقوق الإنسان، التي تصبح في هذه الحالة وفقا لفتحي سرور – وهو بالمناسبة رئيس البرلمان المنتخب وليس وزير الداخلية – متهمة بالتخابر والإضرار بالمصالح العليا للبلاد. كل الاحتمالات التي قد تخطر – أو لا تخطر – بخيال واردة، إلا أن تكون بعض أو كل الوقائع التي ذكرها القرار صحيحة، والمطالب والتوصيات المبنية عليها مشروعة.

كما اشتمل رد الفعل الحكومي علي الامتناع عن حضور الاجتماعات مع أوروبا، والاتهام بالتدخل في الشئون الداخلية، برغم أن حقوق الإنسان كفت منذ زمن طويل عن أن تكون شأنا داخليا، وبرغم أن الاتفاقيات الأوروبية المصرية هي مصاغة بطريقة لتنظيم “هذا التدخل” المتبادل! رغم أن اتفاقية خطة العمل الموقعة بين مصر وأوروبا تقضي بشكل لا لبث فيه بأن أوروبا تقدم معونة لمصر لتحقيق أهداف الاتفاقية، التي من بينها إصلاح حقوق الإنسان في مصر في مجالات التشريع والممارسة والعلاقة بمنظمات حقوق الإنسان وغيرها، إلا أن رسالة الحكومة المصرية لأوروبا واضحة أيضا لا لبث فيها، وهي “نريد أموالكم ولا نريد إصلاح أحوالنا”!

والآن بعد أن انتهت هذه الهوجة الهستيرية “علي فاشوش”، يحتاج رئيسا حزبي الوفد والتجمع اللذان جري استخدامهما في هذه المظاهرة المصطنعة، لإعادة تقييم الموقف، لأنه بعد انتهاء “المهمة” حولت الحكومة مسارها، دون أن تهيئهما للبحث عن سبل تراجع كريم. خاصة أن سرور سيصطحبهما معه -لأسباب لا تحتاج لشرح- في مهمته القادمة لواشنطن. كما يحتاج القائمون علي أمر القرار السياسي في مصر أن يقوموا بمراجعة ملف هذه الأزمة واستخلاص الدروس منها، لأن النتائج أو الرسائل التي خرجت منها بوعي أو دون وعي، ربما أكبر بكثير من الفشل الذريع في لي ذراع البرلمان الأوروبي.

إلي القاهرة من خلال بروكسل وواشنطن:

الرسالة الأولي: ازدراء الرأي العام الوطني، ودفعه إلي مخاطبة القاهرة عن طريق بروكسل وواشنطن وغيرهما.

فرد الفعل الهستيري، صب كل جهده علي تعبئة الرأي العام خلفه في زفة وطنية زائفة شعارها “التعذيب وتكميم الأفواه قضية وطنية”! وتجاهل الرد الملموس علي الوقائع التي تناولها القرار الأوروبي، مثلما تجاهل تماما توضيح مدي الالتزامات التي تترتب علي توقيع الحكومة المصرية علي اتفاقية الشراكة المصرية-الأوروبية ثم خطة العمل، وعلاقتهما بقرار البرلمان الأوروبي.

وهي التزامات تنص بوضوح وبتفصيلات مطولة علي حق الطرفين في تناول مشاكل حقوق الإنسان في المجالات كافة دون استثناء، وبدرجة أوسع كثيرا من التناول الموجز جدا الذي تضمنه قرار البرلمان الأوروبي.

 فهذا القرار في النهاية هو إحدى أدوات هذا الحوار الثنائي الملزم للطرفين – طالما لم يطلب أحدهما سحب توقيعه من الاتفاق- بل إن القرار يخاطب في فقرته قبل الأخيرة الوفد الذي سيمثل الاتحاد الأوروبي في المفاوضات مع الحكومة المصرية، لكي يطرح بنود هذا القرار علي مائدة المناقشة بينهما، وطلب إجابات وتفسيرات لها. ولكن الحكومة المصرية اعتبرت الشروع بالحوار “استعلاء” ورفضا للحوار! ثم قامت هي بإلغاء الاجتماع الذي كان من المفترض أن يكون احد أطر هذا الحوار!

لقد أدي رد الفعل الهستيري المصري – من حيث لا يحب- إلي طرح قضية حقوق الإنسان بشكل أكثر سخونة علي جدول أعمال الرأي العام الوطني، بالمقارنة مع درجة التفاعل الإعلامي المصري المحدودة مع تقارير المنظمات المصرية أو المجلس القومي لحقوق الإنسان. إن طبيعة رد الفعل الهستيري وتأثيره العكسي علي الإعلام قد أدي إلي نتائج معاكسة أيضا لما استهدفته الحكومة المصرية.

بل أدي بشكل غير مباشر إلي تزكية الطريق إلي بروكسل وواشنطن وغيرهما، طالما أن ذلك يساعد علي وضع القضية أمام الرأي العام بصورة أوضح، خلافا للامبالاة الكاملة وعدم الاكتراث الذي تقابل به الحكومة المصرية تقارير المنظمات المحلية ومجلسها القومي.

ولقد بدت هذه النتيجة أكثر وضوحا في اعتزام عدد من نواب البرلمان، نقل الشكوى الخاصة بتجميد عضوية النائب المعارض سعد عبود إلي المحافل البرلمانية الأوروبية، وبنقل الشأن المصري إلي أوروبا، أي في الاتجاه المعاكس تماما لقرار البرلمان المصري بمقاطعة أوروبا لتناولها الشأن المصري!

من مظاهر ازدراء الرأي العام الوطني أيضا، الرد علي البرلمان الأوروبي بالزعم أن الحكومة والبرلمان المصري مستعدان للتحاور حول حقوق الإنسان في أي وقت! وأن ملف حقوق الإنسان مفتوح دائما! رغم أن أي مصري يعرف أن باب الحوار مغلق حتى أمام المصريين، وأن عنوان هذا الحوار المزعوم ما زال كما لخصه الشاعر المبدع أحمد فؤاد نجم “تسمعوني وأقولكم… هكذا يبقي الحوار”!، وأن هذا الملف – أي حقوق الإنسان- غير مفتوح أمام عموم المصريين، بما في ذلك المنظمات المصرية لحقوق الإنسان، والمجلس القومي الذي أنشأته الحكومة، بل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري ذاته.

لقد طالبت المنظمات المصرية لحقوق الإنسان عشرات المرات -دون جدوى- رئيس البرلمان المصري بعقد جلسات استماع إليها في ملف حقوق الإنسان وقانون الجمعيات، وآخرها كان بمناسبة التعديلات الدستورية، ولكن الحكومة برهنت دائما علي أن المسافة إلي بروكسل وغيرها أقصر من المسافة إلي شارع مجلس الشعب بالقاهرة، ورد الفعل الهستيري الأخير يؤكد بشكل أوضح نفس المعني.

المسمار والشاكوش..

الثانية: إن الحكومة المصرية تبدو مثل المسمار الذي يهوي المطرقة التي تدق رأسه! فالأحداث الأخيرة توضح أنها تفضل التعامل الفظ والخشن معها، علي التعامل الدبلوماسي الناعم، فقد كافأت الكونجرس الأمريكي الذي سبق أن تبني قرارا مماثلا لقرار البرلمان الأوروبي قبله بأيام، ولكنه أرفقه بتجميد عشرات الملايين من الدولارات من المعونات، فلم ترد علي قرار غير مسبوق في تاريخ العلاقات الأمريكية المصرية منذ أكثر من ٣٠ عاما، سوي بتصريحات صحفية باهتة هنا وهناك، بينما كادت تعلن “شن الحرب” علي أوروبا لأن برلمانها أصدر قرارا مشابها، دون أن يجمد المعونة!

وبينما طالبت مصر البرلمان الأوروبي بالاعتذار!، فإنها لم تطالب واشنطن بالمثل، بل إن رئيس البرلمان المصري – برفقة رئيسي التجمع والوفد- هو الذي سيذهب بنفسه إلي واشنطن لمناقشة هذا الملف. إنها رسالة تقول للمجتمع الدولي، الحكومة المصرية لا يفيد معها الحوار، ولكن العصا قبل الجزرة!

http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=96612

Share this Post