هل يمكن إنقاذ مصر من مصير السفينة المنكوبة؟

In مقالات رأي by CIHRS

بهي الدين حسن

يبدو السياق الذي جري فيه غرق العبارة «السلام ٩٨» وما تلاه من أحداث، لقطة مكثفة لحالة مصر ذاتها، التي تغرق تدريجيا منذ زمن طويل، ولا تجد من ينقذها من مصيرها المحتوم.

سفينة خردة للمعايير الدولية، كانت يجب أن تحال إلي سوق وكالة البلح أو يتم إغراقها في بحر عميق بدون ركاب، ونظام سياسي متهالك ينتمي إلي القرون الوسطي، يأبي أن يقوم حتى بعملية صيانة وتجديد ربما فات أوانها، ويصر علي ألا يغادر مسرح التاريخ قبل أن يأخذ الشعب معه حتى قاع القاع.

سفينة محظور إبحارها للشواطئ الأوروبية التي تلتزم بالمعايير الدولية، بينما تسمح «الخصوصية الثقافية والسياسية» لسفن متهالكة بالإبحار بين الشواطئ العربية، مثلها في ذلك مثل أغلبية النظم السياسية في العالم العربي.

سفينة ما كان لها أن تستمر علي قيد الحياة لولا ترخيص دولي مشبوه من «بنما» وشهادة سلامة ايطالية، ونظام ما كان ليستمر ويتجاوز عمره الافتراضي المنتهي منذ هزيمة ١٩٦٧، لولا الدعم السياسي والمادي الدولي له من الاتحاد السوفيتي ثم من الولايات المتحدة.

شركة ما كانت تستمر في تسيير سفنها لولا تفشي الفساد في الدولة، ونظام ما كان ليعيش بدون تحول الفساد لآلية مجتمعية يرتزق بفضلها الملايين حتى في فترة الانتخابات.

إدارة الموانئ المصرية لم تصدق أو تسمع نداءات السفينة بالاستغاثة قبل أن تغرق، ولم تسمعها إلا بعد أن أعادت بثها قاعدة بحرية في شمال بريطانيا! وفقا لمقال سلامة أحمد سلامة. ونظام سياسي سد أذنيه في وجه نداءات الشعب بالإصلاح منذ هزيمة ١٩٦٧، ولم يسمعها إلا بعد أن تبنت بعضها أوروبا وأمريكا في مبادرات دولية منذ عامين. وفي كلتا الحالتين كانت الاستجابة واحدة بادعاء الإنقاذ والإصلاح، كما لم يحدث تحرك عملي لإنقاذ السفينة. ولا الشروع في الإصلاح.

من الصور المنشورة في الصحف والتليفزيون لأهالي الضحايا يمكننا استنتاج أنهم ينتمون إلي أغلبية المصريين الفقراء، والذين تلخص مطالبهم الصحف الرسمية والخطاب الحكومي، بأنها فقط الغذاء والمسكن والملبس، ولكنهم لم يطالبوا بذلك في سفاجا. إن تأمل ما هتف وما طالب به هؤلاء البسطاء، هو في واقع الأمر يلخص أبرز مطالب الإصلاح السياسي في مصر المرفوعة منذ عدة عقود:

  1. محاربة الفساد، الأمر الذي يستلزم الفصل بين السلطات واستقلالها، ووضع حد لهيمنة السلطة التنفيذية علي البرلمان والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية ووسائل الإعلام الرئيسية، بما يحول دون محاسبة المتورطين في الفساد.
  2. استقلال القضاء، بحيث لا يوظف لتصفية الحساب مع أطراف سياسية لحساب السلطة التنفيذية أو تحجب عنه دعاوي وملفات يجب أن يفصل فيها.
  3. الحصول علي المعلومات عن الضحايا، وعدم حجب أو تشويه المعلومات بذرائع معلنة أو غير معلنة، بحيث صارت وسائل الإعلام غير المصرية هي المصدر الرئيسي للمعلومات الدقيقة، حتى في كوارث إنسانية لا صلة لها بالذرائع الأمنية المتكررة.

يبقي السؤال: هل مازال ممكنا إنقاذ مصر من الغرق، خاصة أن شعبها حتى الآن لم يستطع أن يمتلك أدوات لإنقاذها، مكتفيا بتنفيس الغضب الذي يدمر أحيانا ولا يبني، مثلما فعل أهالي الضحايا المغلوبون علي أمرهم بتحطيم مقر الشركة وحرق مكاتبها.. أم أن هذا الحريق هو مصير مصر أيضا؟

http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=6865

Share this Post