يجب أن تتمكن “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” من مراقبة وضع حقوق الإنسان في ليبيا ورفع التقارير ذات الصلة إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة

In مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة by CIHRS

خطاب مشترك من 11 منظمة غير حكومية إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة

 

السادة الأعزاء،

إن القرار (رقم 19/39) الصادر عن مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بشأن “تقديم المساعدة إلى ليبيا في مجال حقوق الإنسان”، يشار إليه فيما يلي باسم “قرار مساعدة ليبيا”، والذي تم إقراره بالإجماع في الجلسة التاسعة عشرة للمجلس (مارس 2012)، من المقرر إعادة النظر فيه خلال الجلسة القادمة الثانية والعشرين (مارس 2013).

يُلزم القرار رقم 19/39 حسبما تم إقراره “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” بأن ترفع تقارير إلى المجلس بشأن المساعدة الفنية والتعاون مع حكومة ليبيا. ومع ذلك، لم يشتمل القرار على أية آلية لمراقبة تحديات حقوق الإنسان والوضع العام لحقوق الإنسان في البلاد أو رفع تقارير في ذلك الشأن. وفي العام الماضي، تم رفض عدة تعديلات مقترحة تهدف إلى أن يحتوي القرار على أحكام بشأن رفع تقارير حول حقوق الإنسان، وكان ذلك الرفض بفارق ضئيل في التصويت الذي أُجرى على المقترحات.

إن المنظمات الموقعة أدناه تُعيد التأكيد على قلق العديد من المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان تجاه هذه النتيجة، وكذا انعدام المساندة من جانب بعض الدول الأعضاء في المجلس فيما يتعلق بتلك التعديلات. فالالتزام الأول الواقع على كاهل المجلس هو ضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان؛ خاصةً وأن ذلك ينطبق على حماية أصحاب الحقوق. لم يضمن القرار رقم 19/39 أياً من تلك الأهداف ضمانًا كافيًا، حيث أن عدم النص على مراقبة وضع حقوق الإنسان ورفع التقارير في ذلك الشأن يقلل من فاعلية القرار ويبعد به عن غرضه الأساسي وهو ضمان حقوق الإنسان. علاوةً على ذلك، لم يضمن القرار متابعة ما جاء في التقرير النهائي الصادر عن “لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ليبيا” الذي عُرض في نفس الجلسة، حيث أشار التقرير إلى مخاوف من استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في ليبيا بما في ذلك ما يحدث على يد الميليشيات المسلحة والتي يصل بعضها على ما يبدو إلى جرائم ضد الإنسانية، وأوصى باستمرار مراقبة تنفيذ التوصيات الصادرة عنه.

وفقاً لذلك، فإننا نكتب هذا الخطاب كي نلح على حكوماتكم الموقرة أن تثبت عمليًا تعهداتها بحماية وتعزيز وإعمال حقوق الإنسان في ليبيا عن طريق تناول قضية وضع حقوق الإنسان وتحدياتها القائمة في ليبيا في الجلسة الثانية والعشرين التي سيعقدها المجلس، وكذا عن طريق تبني إجراءات تُمكن “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” من مراقبة وضع حقوق الإنسان في البلاد ورفع التقارير ذات الصلة إلى المجلس، بما في ذلك إدراج ذلك التعهد في أي قرار يصدر بشأن ليبيا.

إن ما حدث مؤخرًا من صراع مسلح في ليبيا يرجع في المقام الأول لانتهاكات حقوق الإنسان، التي تراكمت على مدى اثنين وأربعين عامًا من الحكم القمعي الذي كان يُمارس في ظل تجاهل ممنهج لحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار، فإن الحكومة الليبية الجديدة يقع على عاتقها التزام تجاه ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بالتعامل مع تحديات حقوق الإنسان بشفافية وبعزم على أن تناقش بكل صراحة كيف يمكن التغلب على تلك التحديات، والتأكد من محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.

من الضروري خلال الفترة الانتقالية الحاسمة التي تشهدها ليبيا حاليًا أن ينقل المجلس إلى الحكومة الليبية حقيقة دعم المجلس لسيادة القانون ومراعاة حقوق الإنسان في البلاد، ومساندته الجهود الوطنية في ذلك الشأن. إن إصدار قرار يسمح للمفوضية السامية لحقوق الإنسان برفع تقارير بشأن وضع حقوق الإنسان والتحديات الأساسية التي تواجه حقوق الإنسان في ليبيا إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عبر المجلس، سيكون خطوة هامة للحفاظ على قضية حقوق الإنسان ضمن القضايا الراسخة في جدول الأعمال ولتشجيع السلطات الليبية على إنجاز عمليات الإصلاح الأكثر إلحاحًا.

وسيكون ذلك النشاط الذي تقوم به “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” عاملاً مُكملاً للتعاون المستمر بين الحكومة الليبية و”بعثة الأمم المتحدة الخاصة في ليبيا”، كما سيتيح حوارًا مفتوحًا ونهجًا تعاونيًا بين الحكومة الليبية وآليات حقوق الإنسان الدولية. وكما صرح الأمين العام للأمم المتحدة في 11 فبراير في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة “يجب علينا أن نتصدى لمحاولة استدراجنا كي نرى الاضطرابات الحالية في مصر أو ليبيا دليلاً على أن النظام القديم كان أفضل […] ومن المهم جداً وجود مشاركة وثيقة وصامدة. وعلى المجتمع الدولي أن يشارك مشاركة جادة في صنع تلك التحولات”.

وبعد إصدار تقرير “لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ليبيا” العام الماضي، كشفت تقارير أصدرتها منظمات مجتمع مدني محلية ودولية عن استمرار تحديات خطيرة لحقوق الإنسان في ليبيا، بما في ذلك:

  • العقاب الجماعي والتشريد القسري وغيرها من أشكال التشريد الداخلي للمدنيين على نطاق واسع: حيث قامت الميليشيات الليبية بتنفيذ عمليات عقاب جماعي ضد الأشخاص أو المناطق التي يُعتقد أنها قد تكون ساندت معمر القذافي، وذلك أثناء القتال وبعده، الأمر الذي أدى إلى تشريد عشرات الآلاف داخليًا وإلى أعمال التعذيب وسوء المعاملة والاختطاف والنهب وتدمير المنشآت المدنية والبنية التحتية وعمليات القتل خارج إطار القانون. فعلى سبيل المثال، في شهر أغسطس 2011، قامت ميليشيات من مدنية “مصراتة” بإخراج ما يقرب من 35000 من السكان الذين يعيشون في مدينة “تاورغاء” المجاورة،[1] حيث ادعت ميليشيات من مدينة “مصراتة” أن أهالي مدينة “تاورغاء” قد ساندوا حكومة معمر القذافي ودعموا هجمات عسكرية على مدينة “مصراتة” أثناء القتال عام 2011. ولقد نقلت “لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ليبيا” ما قاله أفراد المليشيات من أن مدينة تاورغاء تستحق “أن تمحى من على وجه الأرض”. وأعقب التشريد القسري عمليات اختطاف لأهالي مدينة “تاورغاء” من مخيمات المشردين داخلياً، وأعمال نهب وتدمير لمنازل أهالي مدينة “تاورغاء”، والتعذيب وسوء المعاملة، وعمليات قتل خارج إطار القانون. وقد صرحت اللجنة بأن تلك الأعمال هي جريمة واضحة ضد الإنسانية. وحتى اليوم، لم يتم اتخاذ أية إجراءات لإنهاء تلك الجرائم ومحاسبة المسئولين عنها، ولم يستطع أي شخص من أهالي مدينة “تاورغاء” أن يعود إلى بيته.
  • مواصلة تحفظ المليشيات على المحتجزين بشكل غير قانوني: في أكتوبر 2012، كان هناك ما يقرب من 8000 محتجز في ليبيا، غالبيتهم قيد الاحتجاز لمدة تزيد عن عام، دون أن توجه إليهم أية تهم، ودون أن يوفر لهم حقهم في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، مثل المراجعة القضائية والاستعانة بمحام. هناك حتى الآن آلاف الأشخاص لا يزالون قيد الاحتجاز بشكل غير قانوني على يد مجموعات مختلفة من الميليشيات، والتي ترفض تسليمهم إلى سلطات الدولة. حتى الآن فإن غير الليبيين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء   تحديدًا العمال المهاجرون مازالوا عرضة للإيذاء ويواجهون مضايقات وعمليات اعتقال وسوء معاملة أثناء الاحتجاز، كما يُجبرون على العمل ولا يتمكنون من التواصل بشكل منتظم مع “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين”.
  • تفشي التعذيب وسوء المعاملة للمحتجزين: وفقًا لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، هناك عمليات تعذيب وسوء معاملة واسعة النطاق في ليبيا تُرتكب على يد كيانات عسكرية وأمنية ]تعمل بوصفها هيئات حكومية[، وكذا على يد مجموعة واسعة من الميليشيات المسلحة التي تعمل خارج أي نطاق قانوني.[2] وأفاد مئات المحتجزين بصعقهم كهربائيًا بالأسلاك الحية وأسلحة الصعق الكهربائي، بالإضافة إلى تعليقهم من أرجلهم وضربهم لساعات بالعصي والسياط والقضبان.[3] ويبدو أن هناك تحسنًا في أوضاع المؤسسات التي تديرها الدولة، وذلك على الرغم من استمرار حالات سوء المعاملة وبعض حالات الوفاة خلال الاحتجاز.
  • انعدام المسئولية: لا يزال الإفلات من العقاب قائمًا فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها الميليشيات المسلحة وقوات الأمن التابعة للدولة. حيث يمنح القانون رقم 38 عفوًا شاملاً بشأن الجرائم التي ارتُكبت على يد الميليشيات تحت اسم “ثورة 17 فبراير”.
  • شن هجمات ضد الأقليات الدينية وقمع حرية الدين: أدان ثلاثة من الخبراء المستقلين التابعين للأمم المتحدة، هم المقرر الخاص المعني بحرية الدين والمعتقد، المقرر الخاص المعني بالحقوق الثقافية، والخبير المستقل المعني بقضايا الأقليات هدم مواقع دينية صوفية وتاريخية في عدة مناطق في ليبيا، بالإضافة لإداناتهم لعمليات الترهيب والاستخدام المفرط وغير القانوني للقوة ضد المتظاهرين العزل المعارضين لعمليات الهدم.[4] كما تم تسليط الضوء على تورط قوات الأمن التابعة للدولة أيضًا. وقد حذر المقررون من أن “الهجمات على المواقع الدينية الصوفية تتطلب رد فعل سريع وصارم من قبل السلطات، ومن دونه يرجح أن تستمر تلك الهجمات وتنتشر.[5]
  • سوء معاملة الرعايا الأجانب واللاجئين والمهاجرين: زارت “منظمة العفو الدولية” و”الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان” ما بين شهري مايو وديسمبر 2012، عدة مراكز احتجاز عبر أنحاء ليبيا، وكان بها ما يصل إلى 3000 من الرعايا الأجانب من بينهم سيدات حوامل، ومعيلات معهن أطفال صغار، وأطفال بلا مرافق محتجزين جنبًا إلى جنب مع بالغين غرباء، هؤلاء الرعايا تم احتجازهم بناءً على “جرائم تتعلق بالهجرة”.[6] وهؤلاء النساء عرضة بوجه خاص للعنف الجنسي في الحجز، كما لوحظ عدم وجود حارسات في أي من مراكز الاحتجاز التي بها محتجزات. بالإضافة لعدم وجود أي تمييز بين المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين.[7] ونتيجةً للوضع غير القانوني للعديد من الأجانب في ليبيا، فالأفراد في حاجة لحماية دولية،[8] كما أن الرعايا الأجانب غير المسجلين قد يتعرضون لمخاطر عدة وانتهاكات لحقوق الإنسان، مثل الحجز التعسفي لأجل غير مسمى، وسوء المعاملة بما فيها من ضرب، وأحيانًا قد يصل الأمر إلى التعذيب. فعلى سبيل المثال، في شهر سبتمبر 2012، تم احتجاز 134 شخصًا من تشاد وإريتريا والصومال والسودان وغيرها من بلدان جنوب الصحراء الأفريقية في عنبر معدني في طرابلس، تشرف عليه رسميًا الشرطة العسكرية.[9]
  • قيود مفرطة على حرية التجمع: إن القانون رقم 65/2012، الذي قام المؤتمر الوطني العام الليبي بإصداره مؤخرًا لتنظيم الحق في التظاهر السلمي، يحتوي على عدة مواد وأحكام تخل بقانون ومعايير حقوق الإنسان الدولية. فعلى سبيل المثال، يفرض القانون قيودًا واشتراطات مبالغًا فيها من أجل الحصول على موافقة الحكومة قبل إقامة المظاهرات دون وضع إجراء واضح وعادل للحصول على تلك الموافقة.

وطبقًا لإعراب مسئولي الحكومة الليبية في عدة مناسبات عن مخاوفهم إزاء وضع حقوق الإنسان في ليبيا، وتعهدهم بالتعامل مع تلك المخاوف، فإننا نعتقد أن صدور قرار من مجلس حقوق الإنسان يتناول تلك التحديات، ويطلب من “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” مراقبة الوضع ورفع تقارير بشأنه، قد يدعم تعهدات الحكومة الليبية في ذلك الشأن.

كما أن قيام “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” بمراقبة وضع حقوق الإنسان ورفع التقارير بشأنه سيكون أمرًا مفيدًا حيث أن ليبيا تمر بعملية حرجة بشأن صياغة الدستور، وكذا عملية إصلاح تشريعي في المجالات الرئيسية التي تمس حقوق الإنسان.

ومن ثم فنحن نناشد حكوماتكم الموقرة أن تتخذ الإجراءات المناسبة ليتمكن المجلس من تحديد ومراقبة ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وكذا لضمان أن التحول الليبي يقود إلى مستقبل ديمقراطي يعزز حقوق الإنسان.

نشركم على اهتمامكم البالغ في ذلك الشأن.

المنظمات الموقعة

  • ·       محامون من أجل العدالة في ليبيا
  • ·       منظمة العفو الدولية
  • ·       المنتدى الآسيوي لحقوق الإنسان والتنمية (منتدى آسيا)
  • ·       مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
  • ·       التحالف العالمي من أجل مشاركة المواطنين (سيفكس)
  • ·       مشروع المدافعين عن حقوق الإنسان في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي
  • ·       منظمة “هيومن رايتس ووتش”
  • ·       لجنة الحقوقيين الدولية
  • ·       الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
  • ·       منظمة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان
  • ·       شبكة المدافعين عن حقوق الإنسان في غرب إفريقيا

 


[8] ليبيا ليست دولة عضو في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشـأن وضع اللاجئين، والبروتوكول الخاص بها لعام 1967

Share this Post