تُعرب المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه عن استنكارها للأحكام العسكرية الجائرة والقاسية، بالسجن بين ثلاث وعشر سنوات، الصادرة يوم السبت 14 ديسمبر، بحق 62 مدنيًا من سكان محافظة شمال سيناء، بينهم رموز قبلية ونشطاء وصحفيين، على خلفية دعوات للتظاهر واحتجاجات طالبوا فيه بالحق في العودة لأراضيهم التي هُجّروا منها قسرًا. تعكس هذه الأحكام، الصادرة في القضية رقم 80 لسنة 2023 عن محكمة الجنايات العسكرية بالإسماعيلية، تصعيدًا خطيرًا في سياسات السلطات المصرية إزاء السكان المهجرين قسرًا، والتي تواصل تجاهل حقوقهم الأساسية، وفي مقدمتها حقهم في العودة لأراضيهم، وحقهم في محاكمة عادلة أمام قاضيهم الطبيعي، بعيدًا عن المحاكم الاستثنائية التي تفتقر لضمانات العدالة.
إن الأحكام بالسجن لسنوات بسبب وقفة احتجاجية، سلمية إلى حد كبير، للمطالبة بحق العودة المشروع تعد باطلة. وذلك لصدورها من محكمة عسكرية، ولأنها بُنيت على سلب الحق في التظاهر السلمي، كما أنها شديدة القسوة بالنظر لطول مدة العقوبة، وتعكس حجم السلطوية في التعامل مع أهالي سيناء.
أصدرت المحكمة العسكرية حكمها بحبس الشيخ صابر حماد الصياح أحد أبرز رموز قبيلة الرميلات في سيناء لمدة سبع سنوات. فضلًا عن حبس نجليه عبد الرحمن ويوسف لمدة عشر وثلاث سنوات على التوالي. كما تضمن الحكم حبس 11 آخرين لمدة سبع سنوات، وحبس 41 آخرين لمدة ثلاث سنوات. بالإضافة إلى أحكام غيابية بالسجن عشر سنوات على سبعة متهمين آخرين، بينهم صحفيان بارزان، وهما حسين القيم الصحفي في جريدة الوطن، وعبدالقادر مبارك عضو نقابة الصحفيين. وبعد 4 أيام فقط من الحكم، صدّق اللواء أركان حرب ممدوح جعفر، قائد الجيش الثاني الميداني، في 18 ديسمبر، على جميع الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية بالإسماعيلية، دون أي تعديلات على الأحكام المقررة.
في 6 ديسمبر الجاري نشر مجموعة من خبراء الأمم المتحدة، (وهم المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات، وأعضاء الفريق الأممي العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، والمقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، والمقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للنازحين داخليًا، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة) خطابًا مرسلًا للسلطات المصرية في 7 أكتوبر ٢٠٢٤، أعربوا فيه عن قلقهم الشديد إزاء المحاكمة العسكرية للمدنيين في هذه القضية، وما شابها من انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة، وفق المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وطالبوا باتخاذ جميع التدابير اللازمة لوقف مثل هذه الانتهاكات ومنع تكرارها.
تعود جذور القضية إلى أغسطس 2023، بالتزامن مع مرور عشرة أعوام على وقائع التهجير القسري لسكان مدينتي رفح والشيخ زويد في خضم العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب. إذ نظم أهالي رفح اعتصامًا مفتوحًا للمطالبة بحقهم في العودة لأراضيهم. وقد وعد قائد الجيش الثاني الميداني (اللواء محمد ربيع بمدينة العريش) الأهالي بترتيب عودتهم إلى قراهم بحلول أكتوبر 2023، ولم يحدث ذلك؛ الأمر الذي دفع المئات من سكان شمال سيناء، المنتمين إلى قبيلتي الرميلات والسواركة، في مناطق بالقرب من قرى الوفاق والمهدية قرب رفح وقرية الزوارعة جنوب الشيخ زويد، إلى الاحتجاج مجددًا في 23 أكتوبر 2023، ومطالبة السلطات بالامتثال لتعهداتها لشيوخ القبائل في أغسطس. وتجمع المئات من الأهالي للتعبير عن احتجاجهم سلميًا، حتى جاءت قوات الجيش لفض المظاهرة بالقوة، واعتقلت عددًا من المحتجين. وتبع ذلك حملة اعتقالات للأهالي من بيوتهم تم توثيق بعضها من خلال شهود عيان.
زعمت السلطات في محضر النيابة أن المحتجين قذفوا قوات الجيش بالحجارة، وأحدثوا تلفيات تقدر بعشرة آلاف جنيه (نحو ٢٠٠ دولار أمريكي) في ثلاث سيارات مدنية تابعة للجيش، كما أصيب أحد الجنود بجرح في منطقة الوجه. ورغم أن الاحتجاج كان سلميًا إلى حد كبير، أصدرت المحكمة العسكرية حكمها بإدانة جميع المتهمين، وحتى في حالة صحة التلفيات، فإن الحكم غير متناسب على الإطلاق. كما أن حكم المحكمة لم يتوخ المسئولية الجنائية الفردية لكل شخص، كغيره من المحاكمات الجماعية الجائرة أمام المحاكم العسكرية.
يشكل التهجير القسري الذي تعرض له سكان شمال سيناء منذ عام 2013 انتهاكًا واضحًا للمادة 63 من الدستور المصري، التي تحظر التهجير القسري بكافة أشكاله وتعتبره جريمة لا تسقط بالتقادم. فضلاً عن مخالفته للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر النقل القسري للسكان أثناء العمليات العسكرية، إلا إذا كان ذلك لدواعٍ أمنية قصوى، وبعد استنفاذ كافة الحلول الأخرى، مع ضمان عودة السكان بمجرد زوال الأسباب المؤقتة. ورغم إعلان الرئيس السيسي في أبريل 2022 انتهاء العمليات العسكرية في شبه جزيرة سيناء، ظلت منطقة عسكرية بحكم الأمر الواقع، ولم تُتخذ أي خطوات جادة لضمان عودة السكان لأراضيهم. بل على العكس، واصلت السلطات تقويض حقوق السكان، مكتفية بوعود مكررة بالعودة، وتجاهل المطالب المشروعة بالتعويض العادل بالتساوي عن منازلهم وأراضيهم التي تعرضت للهدم والتجريف.
وبحسب شهود العيان، استخدمت قوات الجيش العنف المفرط غير المبرر بحق المطالبين بالعودة، بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، واعتقال عشرة منهم على الأقل بمقر كتيبة الساحة (أحد أكبر معسكرات الجيش في رفح). وأفاد آخرون أن مدرعة عسكرية تعمدت الاصطدام بسيارة أحد المتظاهرين، ما تسبب في إصابته بجروح خطيرة في الرأس وفقدان الوعي.
وفقًا للمادة 73 من الدستور المصري، يتمتع المواطنون بحق تنظيم الاجتماعات العامة والمظاهرات السلمية دون قيود تعسفية. كما يكفل العهد الدولي، الذي صادقت عليه مصر، الحق في التجمع السلمي. ومن ثم، يعد استخدام السلطات المصرية القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، واعتقال المشاركين تعسفيًا، انتهاكًا مباشرًا لهذه الضمانات الدستورية والدولية.
على مدى العقد الماضي، ارتكبت القوات المسلحة العديد من الانتهاكات بحق المدنيين في شمال سيناء بذريعة مكافحة الإرهاب؛ بما في ذلك هدم آلاف المنازل والمباني وتجريف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، خاصة في مدن رفح والشيخ زويد والعريش. أدت هذه العمليات إلى نزوح نحو 150 ألف سيناوي، إلى مدن أخرى داخل المحافظة أو إلى محافظات أخرى، فضلًا عن تدمير مدينة رفح بالكامل، وفق تقديرات حقوقية مستقلة.
شابت القضية (80/2023) العديد من الانتهاكات القانونية والإجرائية، وثقتها المنظمات الحقوقية. فقد خلت أوراق القضية من إذن النيابة بالقبض أو بالتفتيش المسبب، باستثناء المتهم الأول “الشيخ صابر”، أحد أبرز شيوخ قبيلة الرميلات -الذي صدر قرار من النيابة العسكرية بضبطه وإحضاره. أما بقية المتهمين فتم القبض عليهم دون إذن قضائي مسبب، ودون وجود حالات التلبس، على نحو يخالف المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية. كما لم تتضمن الأوراق أية تحريات حول تفاصيل القضية، ولم تستمع المحكمة لأقوال المتهمين حتى صدور الحكم عليهم.
وأظهرت أوراق القضية، التي حصلت المنظمات على نسخة منها، أن المتهمين تم احتجازهم في أماكن غير رسمية قبل وأثناء وبعد تحقيقات النيابة العسكرية، حيث تعرضوا للانتهاكات البدنية وسوء المعاملة، ما يشكل انتهاكًا للمادة 54 من الدستور، التي تضمن حق كل محتجز في معاملة كريمة وحمايته من التعذيب أو المعاملة المهينة. كما أشار بعض الأهالي والمحامين إلى حرمان العديد من المتهمين من الزيارة أو مجرد الاتصال بالعالم الخارجي، بما في ذلك من خلال المراسلات. هذا بالإضافة إلى تجاهل المحكمة لكل طلبات الدفاع المقدمة من المحامين في القضية، بما في ذلك طلبات استجواب محرري محاضر الضبط والتحريات.
أدلة الثبوت الواردة في أوراق القضية، وفق التحريات، ضعيفة للغاية، ولا تتضمن أية معلومات تؤكد تورط المتهمين في الجرائم المزعومة. كما أشار الدفاع إلى وجود تضارب في التقارير الفنية، واختلاف فيما بينها في تقييم التلفيات المزعومة للمركبات العسكرية. علمًا بأنه لم يتم إجراء أية معاينة ميدانية لمحل الواقعة. أما بالنسبة لشهادات الشهود، فقد خلت الأوراق من (شهود رؤية) للمتهمين أثناء ارتكابهم للوقائع المسندة إليهم. وقد تجاهلت المحكمة طلبات الدفاع المتعلقة باستدعاء الشهود أو تقديم أدلة جديدة. كما لم يتمكن محامو الدفاع من الاطلاع على كامل ملف القضية إلا قبل يوم واحد من جلسة المرافعات في 9 ديسمبر 2024، ما أثر سلبًا على إعداد دفوعهم.
يُعد توسيع اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين خرقًا صريحًا للمادة 204 من دستور 2014، التي تشترط لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري أن يكون هناك اعتداء مباشر على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة. كما تُعد المحاكمات العسكرية انتهاكًا للحق في المحاكمة العادلة، المكفول بموجب المادة 14 من العهد الدولي، والتي تضمن لكل شخص الحق في المثول أمام محكمة مستقلة ونزيهة. إذ تفتقر المحاكم العسكرية للضمانات الأساسية التي تتيح للمتهمين الدفاع عن أنفسهم، والاطلاع الكامل على الأدلة والطعن عليها، واستدعاء الشهود، فضلاً عن عدم وضوح الموقف الإجرائي القانوني الخاص بطرق الاستئناف والطعن على أحكام الجنايات العسكرية.
جدير بالذكر أنه في يناير 2024 وافق مجلس النواب على مشروع قانون بتعديل قانون القضاء العسكري رقم 25 لسنة 1966، والذي يتضمن إضافة درجة الاستئناف لمحاكم الجنايات، أسوة بالمحاكم العادية، لكن حتى الآن لم يتم إقرار هذا المشروع بشكل نهائي.
في ضوء هذه الانتهاكات التي شابت كل مراحل القضية، تطالب المنظمات الحقوقية الموقعة بالآتي:
- على رئيس الجمهورية بصفته الحاكم العسكري إلغاء هذه الأحكام الجائرة والأمر بالإفراج عن جميع المتهمين.
- وقف إحالة المدنيين للقضاء العسكري، مع تعديل المادة 204 من الدستور، لحصر اختصاص القضاء العسكري على العسكريين.
- على الحكومة المصرية الالتزام بوعودها بعودة المهجرين لأراضيهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء التهجير القسري.
- فتح تحقيقات مستقلة في الانتهاكات التي تعرض لها سكان شمال سيناء، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين واحتجازهم بشكل غير قانوني.
- وقف كافة أشكال التمييز والقمع الممنهج بحق سكان شمال سيناء، وضمان احترام حقوقهم في التجمع السلمي، وحرية التعبير، وحقهم في الحياة الكريمة.
المنظمات الموقعة:
- مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب
- مجموعة حقوق الأقليات الدولية
- Fair Square
- مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- لجنة العدالة
- هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
- المنبر المصري لحقوق الإنسان
- إيجيبت وايد لحقوق الإنسان
- منصة اللاجئين في مصر
- مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
- ريدوورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
Share this Post