يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتصديق مجلس الوزراء المغربي في الرابع عشر من مارس الجاري على مشروع القانون الجديد الخاص بالقضاء العسكري، والذي فور إقرار البرلمان المغربي له، يحظر بشكل مطلق إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية في أوقات السلم أيا كانت الجريمة المرتكبة وصفة مرتكبها، حتى ولو تمت بمشاركة عسكريين. كما يحظر القانون إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية بما في ذلك المدنيين العاملين في مؤسسات تابعة للقوات المسلحة، كما يحظر بصورة مطلقة إحالة الأحداث دون سن الثامنة عشر إلى القضاء العسكري.
من جانبه يعتبر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن مصادقة المجلس الوزاري على مشروع القانون في اجتماع ترأسه العاهل المغربي، يُعد خطوة بالغة الأهمية على طريق تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وإصلاح مرفق العدالة، وإحداث قطيعة واجبة مع نمط شاذ من المحاكمات الاستثنائية، التي تشكل انتهاكًا فظًا لنصوص الدستور المغربي المعدل التي لا تجيز حرمان المواطنين من المثول أمام قاضيهم الطبيعي.
كما يعتبر مركز القاهرة أن المصادقة على مشروع هذا القانون تعكس انحيازًا للقواعد المعمول بها في البلدان الديمقراطية، والتي ذهبت إما إلى الإلغاء الكلي لاختصاصات المحاكم العسكرية في أوقات السلم، أو قصر اختصاصها على المخالفات أو الجرائم المنسوبة للعسكريين أثناء خدمتهم.
انطوى مشروع القانون المغربي أيضًا على مراجعة العديد من القواعد القانونية الإجرائية المنظمة للقضاء العسكري بما ينزع عن هذا القضاء صفته الاستثنائية التي تجعله مجافيًا لمعايير العدالة الدولية، حيث انحاز المشروع الجديد إلى إقرار نظر القضايا أمام المحاكم العسكرية على درجتين، فضلًا عن إقراراه بالحق في الطعن على قرارات تلك المحاكم أمام محكمة النقض.
حرص مشروع القانون أيضًا على أن يترأس هيئات الحكم بالمحكمة العسكرية قضاة مدنيون، وزاد من تمثيل القضاة المدنيين في تشكيل هيئات الحكم، وخاصةً في الغرف الاستثنائية، وأصبح للقضاة المدنيين الغلبة في تشكيل غرف المحكمة الخاصة بالجنايات. كما أجاز مشروع القانون إمكانية الإدعاء المدني أمام القضاء العسكري، وعلاوةً على ذلك فإن مشروع القانون الجديد ألغى اختصاص المحاكم العسكرية بالنظر في الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة من الخارج، وجعل نظر هذه الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وحدها.
إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إذ يُثمن هذه الخطوة، فإنه يتطلع لأن تتبعها خطوات أخري؛ يكون من شأنها تعزيز استقلال السلطة القضائية في المغرب، والحيلولة دون تدخلات السلطة التنفيذية في التأثير على مجريات العدالة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز المكانة التي تتمتع بها المملكة المغربية بين أقرانها من الدولة العربية على صعيد تعزيز مرتكزات دولة القانون. كما يتطلع المركز لأن تسهم مناقشات البرلمان المغربي لمشروع القانون في إعادة النظر في أحكام المادة الثالثة منه، والتي يجوز تأويلها بصورة غير منضبطة لمد اختصاصات المحكمة العسكرية لتطال مدنيين، تحت دعوى حالة الحرب ضد مؤسسات الدولة أو أمن الأشخاص أو الأموال، أو العمل على تغيير النظام أو الاستيلاء على جزء من التراب الوطني بالقوة.
ويعتقد مركز القاهرة أنه يتعين إغلاق الباب نهائيًا أمام إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية حتى في حالات الحرب، إذ أن القضاء العادي كفيل بردع تلك الجرائم. وينوه المركز بأن مشروع القانون لم يتعامل بشكل مناسب مع إشكالية تنازع الاختصاصات بالنسبة للجرائم التي تدخل في اختصاص كل من القضاء العسكري والمدني، حيث نص القانون على الأخذ بالحكم الأشد ،دون أن يحل مشروع القانون إشكالية اختصاص محكمتين بنظر الدعوى نفسها. الأمر الذي قد يؤدي على المدى البعيد إلى تضارب الأحكام القضائية الصادرة عن الجهتين، ويخالف قواعد تنازع الاختصاص في الأنظمة القضائية المختلفة.
إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يتطلع إلى أن يُقدم المغرب نموذجًا يُحتذى في إنهاء أنماط القضاء الاستثنائي في العديد من البلدان العربية، واحترام حق المواطنين في المثول أمام قاضيهم الطبيعي.
وينوه المركز في هذا الإطار إلى أنه رغم نجاح المصريين في إسقاط نظام مبارك ومن بعده نظام الإخوان المسلمين، فإن الإدارات المتعاقبة أجهضت مرارًا المطلب التاريخي للمصريين بحظر المحاكمات العسكرية للمدنيين، التي طالت ما يزيد عن 12 ألف شخص منذ سقوط نظام مبارك، بل سمح نظام الإخوان بإضفاء المشروعية الدستورية عليها في دستور 2013. وبعد سقوط الإخوان جاء دستور 2014 ليكرس دستوريًا إحالة المدنيين للقضاء العسكري في طيف واسع من الجرائم.
إن مركز القاهرة يعتبر إقرار مشروع القانون المغربي يمنح دفعة معنوية لنضال المصريين مجددًا من أجل وضع نهاية لوصمة المحاكمات العسكرية للمدنيين، ويدعو كافة مرشحي الرئاسة لأن يضعوا على رأس أولوياتهم في برامجهم الانتخابية الالتزام بمراجعة العديد من النصوص الدستورية التي تتعارض مع معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى رأسها المادة 204 التي تشكل المظلة الدستورية للمحاكمات العسكرية للمدنيين.
وأخيرا يُقدِّر مركز القاهرة الدور البناء الذي قام به المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب (وهو أحد مؤسسات الدولة المغربية)، حيث وضع مسودة مشروع تعديل القانون، وأدار حوارًا مضنيًا حوله مع هيئات الدولة العسكرية والمدنية ذات الصلة –وفى مقدمتها الملك محمد السادس– حتى نجح في إقناعها بتبني التعديل.
إن كثيرًا من ممارسات هذا المجلس تشكل نموذجًا يجب أن تتعلم منه المجالس المماثلة في الدول العربية الأخرى، وخاصةً في مصر.
Share this Post