يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن بالغ استنكاره للهجمات الإسرائيلية المتكررة والمتعمدة بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة في محيط مواقع توزيع المساعدات الإنسانية. فمنذ بدء عمل هذه المواقع، غير التابعة للأمم المتحدة، في المناطق العسكرية في 27 مايو الماضي، أصبح الأشخاص المترقبين الحصول على المساعدات أهدافًا متكررة لإطلاق النار والقصف، لا سيما في مواقع التوزيع التي تديرها مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية، المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث وقعت معظم الهجمات، فقُتل أكثر من 550 شخص، وأُصيب ما لا يقل عن 4000 آخرين، منذ بدء عمل المؤسسة.
يقول زياد عبد التواب، المدير التنفيذي لمركز القاهرة: «الموت أضحى الخيار الوحيد الذي تقدمه إسرائيل لسكان غزة، سواء الموت جوعًا أو رميًا بالرصاص الحي في مواقع توزيع المساعدات. هذه ليست عملية إنسانية، بل توظيف للتجويع كسلاح حرب بهدف الإبادة المنهجية للشعب الفلسطيني في غزة».
منذ أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية مئات الفلسطينيين في هجمات متكررة على قوافل المساعدات الإنسانية، فضلاً عن استهداف الأشخاص في طوابير انتظار المساعدات. وفي واحدة من أكثر الحوادث دموية؛ «مجزرة الطحين» في فبراير 2024، قتلت القوات الإسرائيلية 112 شخصًا وأصابت نحو 800 آخرين أثناء إطلاق النار على حشد من الفلسطينيين كانوا ينتظرون المساعدات في شمال غزة.
أن سياسة إسرائيل في استخدام التجويع كسلاح حرب يشمل أيضًا نمطًا أوسع من عرقلة المساعدات، يتضمن فرض الحصار المتكرر، والضربات العسكرية لمواقع الوكالات الإنسانية وموظفيها، فضلًا عن محاولات التشهير بهم ووصمهم لتقويض قدرتهم على العمل. هذه السياسة مدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية التي تُسهِّل تنفيذها، وذلك من خلال تمويل مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية، المكلّفة بتطبيق السياسة الإسرائيلية الخاصة بالمساعدات الإنسانية. هذه المؤسسة، المُسجلة في الولايات المتحدة، تضم شركات أمريكية هادفة للربح وتديرها شركات أمنية أمريكية خاصة،و حصلت مؤخرًا على تمويل أمريكي بقيمة 30 مليون دولار.
لقد أظهرت الأدلة أن مؤسسة غزة الإنسانية أخفقت بشكل واضح في تقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين في غزة، بل إنها تُفاقم الوضع الكارثي الذي تسببت فيه سياسات إسرائيل منذ أكتوبر 2023. ومن ثم، ينبغي أن تسمح إسرائيل فورًا باستئناف التنسيق الإنساني المستقل بقيادة الأمم المتحدة في توزيع المساعدات في غزة، وأن تتيح وصولًا فوريًا وبدون عوائق للمساعدات الإنسانية، بما يتناسب مع حجم وسرعة الاستجابة اللازمة لتلبية احتياجات السكان، وفقًا لأوامر محكمة العدل الدولية.
كما يجب أن تكثف الدول الضغط على إسرائيل لضمان امتثالها لالتزامات الدولية، وتعليق أي علاقات مع إسرائيل قد تعزز من انتهاكاتها، بما في ذلك الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، والاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وسياسات الفصل العنصري. كما تشمل التزامات الدول في هذا الصدد؛ فرض حظر على الأسلحة، وتعليق اتفاقيات التجارة والتعاون مع إسرائيل، ودعم الآليات الدولية المستقلة للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية والسياسات الأوسع التي تنتهجها في حربها على غزة. كما يجب على الدول الامتثال لمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2024 بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت.
لقد تدهورت الأوضاع الإنسانية في غزة إلى مستويات لا يمكن تصورها، بعد قرابة عامين من الهجمات الإسرائيلية المتواصلة، التي استهدفت البنية التحتية المدنية والأراضي الزراعية، بالإضافة إلى العرقلة المنهجية لوصول المساعدات الإنسانية. وقد حذرت مجموعة الأمن الغذائي من أن الحجم الحالي وسرعة تسليم المساعدات «غير كافيين بشكل خطير» لتلبية احتياجات السكان، وأن قطاع غزة على وشك المجاعة. ووفقًا لمنظمة اليونيسف، تم خضع أكثر من 5,000 طفل دون سن الخامسة للعلاج جراء سوء التغذية الحاد خلال شهر مايو وحده، بمتوسط يومي يبلغ 112طفلًا منذ بداية عام 2025.
منذ اليوم الأول للحرب على غزة، أعلن القادة الإسرائيليون نواياهم بوضوح؛ لا طعام، لا ماء، لا كهرباء للقطاع. وقد مرّ الآن أكثر من 20 شهرًا، واليوم تبدو إسرائيل وكأنها في المراحل الأخيرة من خطتها الوحشية لمحو الفلسطينيين، بعدما حوّلت حتى توزيع المساعدات إلى عملية قتل ممنهجة.
معلومات خلفية:
في مايو 2025، وفي انتهاكٍ صارخ للمبادئ الأساسية للمساعدات الإنسانية؛ الحياد والنزاهة والاستقلالية، حددت الحكومة الإسرائيلية نقاط توزيع لما تسميه «مساعدات إنسانية» في مناطق خاضعة لسيطرتها، تديرها شركات أمنية خاصة أمريكية، وتقع على مقربة مباشرة من مواقع عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
على مدار عام 2024، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل مرارًا وتكرارًا بالسماح بتسليم المساعدات الإنسانية بشكل عاجل ودون عوائق، مشيرة إلى خطورة حرمان الفلسطينيين المطول والواسع النطاق من الغذاء والضروريات الأساسية الأخرى. وفي يوليو2024، أمرت المحكمة إسرائيل بإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية فورًا، وأكدت التزام الدول الأخرى بالامتناع عن مباشرة علاقات مع إسرائيل من شأنها تعزيز أو المساعدة في الحفاظ على وجود إسرائيل غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
Share this Post