Hussein Eddeb via Shutterstock

استعادة سيادة القانون: نداء عاجل إلى النائب العام

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

إلى السيد النائب العام للدولة الليبية: المستشار الصديق أحمد الصور

تحية طيبة وبعد،

كشفت عملية اغتيال عبد الغني الككلي «غنّيوة» في 12 مايو 2025، داخل مقر اللواء 444 التابع لوزارة الدفاع، والاشتباكات المسلحة التي اندلعت عنها في مختلف أنحاء طرابلس، عن الأزمة المستمرة للإفلات من العقاب والنفوذ غير المحدود للمجموعات المسلحة في ليبيا.

لقد تحمل المدنيون بشكل أساسي عواقب هذه الاشتباكات؛ والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، وإصابة العشرات، بالإضافة إلى قصف مناطق سكنية بالأسلحة الثقيلة.

إن ما نشهده حاليًا يتجاوز كونه مجرد حلقة أخرى من العنف؛ وإنما يمثل نقطة تحول، تتيح لمكتبكم فرصة فريدة لتأكيد دوره الدستوري بوصفه؛ الضامن للشرعية والمساءلة العامة.

ومن ثم، ينبغي ألا يلتزم النائب العام الصمت إزاء مساعي الميليشيات فرض مفهومها الخاص للعدالة، عبر الاغتيالات الموجهة وصراعات القوى. إن مسئولية التحقيق في حالات القتل خارج نطاق القانون، والمقابر الجماعية، والتعذيب، والإخفاء القسري، تقع على عاتق القضاء الليبي، وليس على عاتق الجماعات المسلحة.

إن مكتبكم يمثل ركيزة أساسية لسيادة القانون في الدولة الليبية؛ وبدون تحقيق العدالة، سيتواصل الانتقام والعنف. لذا يستلزم الأمر اتخاذ إجراءات عاجلة.

لطالما واجه جهاز دعم الاستقرار، الذي تشكل بموجب قرار المجلس الرئاسي رقم 26 لسنة 2021، وتولى الككلي قيادته حتى وفاته، مزاعم موثوقة بتورطه في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. هذه الانتهاكات تتضمن؛ الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري، والإعدامات بإجراءات موجزة. وقد وثق فريق خبراء الأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمات المجتمع المدني الليبية، العديد من هذه الوقائع والانتهاكات. ورغم ارتباط العديد من المرافق العامة الخاضعة لسيطرة الجهاز، مثل حديقة حيوان أبو سليم سابقًا، بهذه الانتهاكات؛ إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء قضائي فعال بشأنها حتى الآن.

جهاز دعم الاستقرار لا يتحمل وحده مسئولية الانتهاكات الجسيمة؛ إذ أن جماعات مسلحة أخرى تعمل اسميًا تحت سلطة الدولة، منها قوة الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كارة ومقرها في معيتيقة، متهمة بدورها بانتهاكات جسيمة، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي، وممارسات «الشرطة الدينية»، وسوء معاملة المحتجزين، وبينهم معارضين سياسيين وصحفيين وفئات مستضعفة. هذه الانتهاكات غالبًا ما تحدث في ظل انعدام كامل للشفافية؛ نظرًا لغياب إشراف السلطات عليها.

ينبغي أن تخضع جميع مراكز الاحتجاز، بغض النظر عن الفصيل الذي يسيطر عليها، لمعايير موحدة من المساءلة والرقابة المستقلة.

لقد أدى هذا التراخي المؤسسي إلى تدهور خطير في السلطة القانونية. ولوقف هذا التدهور، يتعين على مكتبكم إعادة تأكيد الاختصاص الحصري للسلطة القضائية في التحقيق في الجرائم الجسيمة، ومقاضاة المتورطين فيها بمنأى عن أي تدخل أو انتقائية.

أن ما كشفته بعض التقارير، في أعقاب وفاة الككلي، حول اكتشاف مقابر جماعية جديدة، يؤكد المخاوف بشأن استمرار عمليات القتل خارج نطاق القانون ومحاولات إخفاء الأدلة، وخطر تلاعب الجماعات المسلحة بالأدلة، أو تهديد الشهود، أو إعاقة الوصول لمواقع الأحداث الرئيسية، ناهيك عن أن بعض هذه المواقع ما زالت تحت سيطرة الميليشيات، مما يقلص احتمالات تحقيق العدالة.

لذا، يتوجب على مكتبكم التحرك فورًا لتأمين هذه المواقع، وضمان قدرة فرق التحقيق الجنائي على ممارسة عملها بأمان، والحفاظ على جميع الأدلة المادية.

فمن دون اتخاذ هذه الإجراءات، قد تتبدد إمكانية كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة.

ومن ثم، وللوفاء بهذه المسئوليات، فإننا نحث مكتبكم على:

  1. فتح تحقيق جنائي في مقتل الككلي وجميع ضحايا الاشتباكات الأخيرة؛ بما في ذلك التحقيق في ممارسات جميع الوحدات المسلحة المتورطة وتحديد المسئولية القانونية لقادتهم.
  2. مباشرة تحقيقات رسمية بشأن المقابر الجماعية، بما في ذلك التي تم اكتشافها مؤخرًا في طرابلس إضافة للمواقع السابقة مثل ترهونة، وضمان جمع كافة الأدلة وحفظها.
  3. التحقيق في مزاعم الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري في المرافق الخاضعة لسيطرة قوة الردع، واللواء 444، وجهاز دعم الاستقرار، بما في ذلك أبو سليم.
  4. وضع آلية علنية تضمن المساءلة بعد تحديد الجناة ومحاكمتهم، بالتنسيق مع الجهات القضائية والجنائية المختصة.
  5. حظر ومنع أي جماعة مسلحة من ممارسة مهام إنفاذ القانون، بما في ذلك التحقيق أو الاحتجاز، ما لم يكن ذلك ضمن الإطار القضائي الليبي الرسمي.

لا يمكن تحقيق العدالة في ليبيا بالقوة أو بتفويض الجماعات المسلحة؛ وإنما ينبغي أن تقود مؤسسات الدولة مسارات العدالة، مع التقيد التام بالشرعية والإجراءات القانونية الواجبة وعدم الانتقائية. ولمكتبكم صميم هذه المهمة.

هذه المرحلة تقتضي التحلي بالوضوح والاستقلالية والإصرار؛ إذ أنها ليست مجرد اختبار مؤسسي، وإنما فرصة لإعادة بناء الثقة، وتثبيت سيادة القانون كمسار أوحد لتحقيق الاستقرار الوطني.

وتفضلوا بقبول وافر الاحترام والتقدير.

المنظمات الموقعة:

مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

المنظمات المنضوية في شبكة «المنصة»

Share this Post