في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تُدين المنظمات الموقعة على هذا البيان، استمرار الانتهاكات من قبل وزارة الداخلية، وتفاقمها على نحو يبدو أنه إطلاق ليد الداخلية للتنكيل بالمواطنين بممارسات خارج إطار القانون تتضمن التعذيب والاختفاء القسري وغيرها من الإجراءات التعسفية والانتهاكات المُمنهجة للحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، الأمر الذي أفضى مؤخرًا إلى تكرار حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز.
كانت بعض المنظمات الموقعة، قد تلقت شكاوى تُفيد بوقوع حالات تعذيب في أقسام شرطة، منها قسم المطرية وقسم الأقصر وقسم ثاني شبرا الخيمة، أفضت في بعضٍ منها إلى وفاة المحتجزين. فقد وثق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، ٤٩ حالة تعذيب –بينهم ٩ حالات أدت إلى الموت داخل أماكن الاحتجاز– خلال شهر نوفمبر، بينما وثقت منظمات أخرى حالتي تعذيب بأماكن الاحتجاز وحالتي وفاة في فترة زمنية ﻻ تتعدى شهر واحد بين أكتوبر ونوفمبر 2015، في حين رصدت منظمات أخرى حالات عديدة من الوفاة في أماكن الاحتجاز، وتلقت شكاوى تفيد بتعرض المحتجزين للضرب والمعاملة المهينة أو التعذيب داخل أقسام الشرطة في الفترة نفسها.
جدير بالذكر أن مركز النديم رصد 4 حالات وفاة نتيجة للتعذيب في أغسطس من بين 57 حالة تعرضت للتعذيب في أماكن الاحتجاز.
في هذا الصدد تعرب المنظمات الموقعة عن قلقها البالغ من أن تكون الأرقام الحقيقة أكثر من تلك التي نجحوا في توثيقها، أو التي نُشرت في الصحف ووسائل الإعلام خلال الفترة القصيرة الماضية، فضلًا على حالات أخرى رفض أصحابها رواية تفاصيلها، خشية انتقام ضباط الأقسام أو السجون، أو ربما لأنهم فقدوا أي ثقة في نظام العدالة. ومن ثم تدعو المنظمات إلى تحقيق عاجل ومستقل في حوادث التعذيب المُتزايدة والمُفزعة التي تعرض لها محتجزات ومحتجزون داخل سجون وأقسام الشرطة، وتؤكد المنظمات على أن معظم تلك الحوادث شهدت إفلات مرتكبيها من العقاب، بينما تكرر إنكار وزارة الداخلية لارتكابها، واعتبرتها –في كثير من الأحيان– “حالات فردية“.
تتكرر أنماط انتهاكات الشرطة في العديد من الحالات التي تم رصدها من قبل المنظمات، إذ يُلقى القبض على شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب بلاغ سرقة أو على سبيل الاشتباه في ارتكاب جريمة معينة. وفي معظم الأحيان يتم ذلك بطريقة تعسفية تتضمن أحيانًا تراشقًا لفظيًّا أو اشتباكًا بالأيدي يتم على إثره اصطحاب الشخص إلى القسم، حيث يتعرض للضرب في أثناء التحقيق، الأمر الذي ربما ينتهي في بعض الحالات إلى خروج المشتبه بهم جثثًا هامدة من غرفة التحقيق، أو على أجسادهم آثار الضرب والإهانة والتحرش الجنسي أحيانًا، على النحو الذي نستعرضه في هذه الأمثلة ـ على سبيل المثال لا الحصر.
- حالة وفاة بتاريخ 22 أكتوبر بقسم شرطة المطرية: حيث كان المجني عليه (عادل عبد السميع, نجار يبلغ من العمر 22 عامًا) محتجزًا بقسم المطرية منذ 4 أكتوبر، للاشتباه في سرقة تليفون محمول. وقد شهد أهل المجني عليه بأنه تعرض للضرب والتعذيب، وشهدت حالته الصحية تدهورًا واضحًا على مدى الزيارات. كما شهد آخرون بوجود آثار دماء على ملابسه وقت اقتياده إلى منزله بصحبة قوة من شرطة القسم، على خلفية مزاعم بوجود أسلحة في منزله. تقول والدة عادل، إنه في إحدى الزيارات كان فاقدًا للقدرة على الكلام جراء تعرضه للضرب. وبتاريخ 24 أكتوبر وصلت معلومة إلى أهل المجني عليه تفيد بنقله للمستشفى, وما إن وصل أهل “عادل” إلى المستشفى حتى أخبروهم أنه وصل للمستشفى مفارقًا للحياة، وتظهر على جسده أثار حرق على الأيدي، وإصابات في الرأس ومناطق متفرقة من جسده.
- حالة وفاة بتاريخ 24 نوفمبر بالأقصر: أوقفت قوة شرطة “طلعت شبيب” في منطقة الحوامدية بالأقصر بجوار أحد المقاهي، للتحقق من أوراقه الشخصية، وأثناء ذلك تعدى الضابط لفظيًّا على المشتبه به، موجهًا إليه السباب والإهانة، ولما اعترض “طلعت” على الإهانة قائلا: “بلاش شتايم يا باشا إنت قد إبني”، تطور الأمر بينهما إلى اشتباك بالأيدي، وتم اقتياده إلى القسم، حيث تعرض للضرب المبرح لمدة ساعتين خرج بعدها جثة من القسم. تظهر تحقيقات النيابة في القضية –التي أثارت جدلًا واسعًا وخرجت على أثرها مظاهرات في الأقصر– أن مباحث القسم حاولت التعتيم على وفاة طلعت شبيب في أثناء التحقيق، وطلبت إيداعه في غرفة الاستيفاء بصفته محتجزًا، إلى حين وصول سيارة الإسعاف، لكن مسئول الاستيفاء رفض استلامه مقررًا أنه توفى بالفعل. وهو ما أكده التقرير الطبي المبدئي بأن المجني عليه وصل المستشفى بعد أن وافته المنية.
- في حالة تعذيب أخرى بقسم المطرية، بحق محمد عبده معوض، المتهم في القضية رقم 18932 لسنة 2015 جنح المطرية، أكد أحد أقاربه أنه “تم التعدي عليه بالضرب، بعد ربطه من قدمه وركله في بطنه وصدره في قسم المطرية مما أدى لنزيف من فمه وأنفه.” أصرت عائلة “محمد” على تقديم بلاغ بالواقعة، وتباشر حاليًا النيابة التحقيقات، ولم يتم حتى الآن عرض الضحية على الطب الشرعي، ويواجه شقيقه تهديدات من قبل مجهولين ـ عبر اتصالات تليفونية ـ لإرغامه على التنازل عن البلاغ.
في سياق متصل تؤكد المنظمات الموقعة على البيان إدانتها أيضًا لاستمرار تعرض مواطنين مصريين للاختفاء القسري، إذ تلقت العديد من المنظمات شكاوى وبلاغات تُفيد بتعرُض مواطنين للاختفاء بعد أن ألقت قوات الشرطة القبض عليهم. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- اقتادت قوات الأمن هاني سعد محمد عبد الستار، وصاحب عمله هشام محمد أحمد وآخرين إلى مكان غير معلوم، بعد أن ألقت قوة من قسم أول مدينة نصر ومديرية أمن القاهرة، القبض عليهم، واختفوا قسريًّا منذ 10 أغسطس.
وتؤكد المنظمات الموقعة على هذا البيان على خطورة تلك الممارسات على حياة هؤلاء المواطنين، وخاصةً مع توارد العديد من الروايات عن حالات تعذيب لمن ظهروا بعد فترة من اختفائهم، وعلى أجسادهم آثار التعذيب والاعتداء داخل أماكن الاحتجاز.
كما تؤكد المنظمات الموقعة أن السجون المصرية لا تخضع لأي رقابة حقيقية ولا يُسمح إطلاقًا للمنظمات أو المحامين المستقلين بزيارتها، ولا تخضع للتفتيش من قبل جهات قضائية مستقلة بشكل دوري، رغم أن هذا حق يكفله القانون والدستور (وفقًا للمادة 55 من دستور 2014 والمادتين 85 و86 من قانون تنظيم السجون والمادة 27 من قانون السلطة القضائية، التي تنص على أن لرجال النيابة العامة ورؤساء ووكلاء المحاكم الابتدائية والاستئنافية حق التفتيش على السجون الموجودة بدوائر اختصاصهم). كما أنه من المفترض –وفقًا للتعليمات العامة للنيابات– أن يجري تفتيش دوري مرة كل شهر على الأقل على السجون، ترفع على خلفيته التقارير حول المخالفات المرصودة، وأخر مرة قامت النيابة بهذا الواجب كان في أبريل 2015 إلا أنه لم تعلن مؤخرًا حالة تحقيق واحدة لأيٍّ من المسئولين بمصلحة السجون رغم التقارير المتواترة عن المخالفات.
على الجانب الآخر، تلاحق الدولة الأصوات المستقلة من المحامين والقضاة الذين يتبنون رؤى لإصلاحات تشريعية لمناهضة التعذيب. إذ يخضع القاضيان عاصم عبد الجبار وهشام رؤوف والمحامي نجاد البرعي للتحقيق، على خلفية تقديمهم مشروعًا لمكافحة جرائم التعذيب، وذلك ضمن فعاليات ورشة خبراء، دعت إليها المجموعة المتحدة –التي يترأسها نجاد البرعي– في ١١ مارس ٢٠١٥. كانت المجموعة قد قدمت –في الفترة من أكتوبر ٢٠١٣ حتى أغسطس ٢٠١٤– حوالي 163 بلاغًا حول 465 ادعاءً بالتعذيب داخل أماكن الاحتجاز، ولم تتعاط النيابة العامة مع أيٍّ منها، على النحو والسرعة المطلوبة. الأمر الذي دفع بالمجموعة المتحدة إلى تقديم عدد من الشكاوى لإدارة التفتيش القضائي، لضمان سرعة إجراء التحقيقات، إلا أن التحقيقات السريعة والجدية الوحيدة التي تمت في هذا الصدد كانت مع القاضيين المشاركين في إعداد المشروع والمحامي نجاد البرعي، في رسالة غير مباشرة بأن التحقيقات تتم فقط وعلى وجه السرعة مع المتطلعين لتحسين البيئة التشريعية المصرية، بينما يظل مرتكبو جرائم التعذيب بمنأى عن العقاب. فالدولة –وعلى رأسها المؤسسة القضائية– لا ترى جريمة في قيام الموظفين المعنيين بإنفاذ القانون بالتعذيب، بينما تعتبر الجريمة التي تستوجب التحقيق هي تقديم البلاغات ضدهم أو تقديم معالجات قانونية لإنهاء جرائم التعذيب التي لا تسقط بالتقادم بموجب الدستور.
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان نؤكد على تمسكنا بالعدالة ونقر بحتمية احترامها من الجميع، وعلى رأسهم أجهزة الدولة، ونعلن أننا بصدد تقديم توصياتنا إلى الجهات المعنية، في المؤتمر الصحفي المنعقد في الخامسة مساءً اليوم الخميس الموافق 10 ديسمبر، بمقر نقابة الصحفيين، بمشاركة سبعة منظمات حقوقية مصرية.
المنظمات الموقعة:
- الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- المجموعة المتحدة، محامون ومستشارون قانونيون
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مصريون ضد التمييز الديني
- مؤسسة حرية الفكر و التعبير
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية
- مركز هشام مبارك للقانون
- مركز الحقانية للمحاماة والقانون
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
- نظرة للدراسات النسوية
Share this Post