منظمات المجتمع المدني تعرب عن استيائها من قرار مجلس حقوق الإنسان غير المتناسب بشأن ليبيا رغم الأوضاع المتأزّمة التي تشهدها البلاد
في الرابع من أبريل، اعتمد مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة القرار رقم 52/L.33 بشأن «المساعدة التقنية وبناء القدرات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا» والذي لم ينصّ على تشكيل آلية لمتابعة عمل بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصّي الحقائق. فيما تزامنت الجلسة الثانية والخمسون لمجلس حقوق الإنسان مع انتهاء ولاية البعثة المستقلة لتقصّي الحقائق في ليبيا.
وكانت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق، في تقريرها الأخير والختامي إلى مجلس حقوق الإنسان، قد توصّلت إلى أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بأنّ الجرائم بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، كانت ولا تزال ترتكب من جانب جميع الأطراف في ليبيا في ظلّ إفلات تامّ من العقاب. وتجاهل القرار استنتاجات البعثة، وطالب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فقط بتوفير المساعدة التقنية وبناء القدرات إلى السلطات الليبية.
ويتزامن اعتماد القرار مع تصاعد حملات القمع على المنظمات والجمعيات المدنية المحلية والدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا، والتي تشكّل خطرًا شديدًا على وجود الأغلبية الواسعة للمجتمع المدني العامل داخل البلاد. وكانت المنظمات الموقعة أدناه قد وثّقت عمليات استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان من خلال أعمال الاعتقال والاحتجاز التعسّفية والمحاكمات غير العادلة بحقهم، والتي أدّى بعضها إلى عقوبات بالسجن لفترات طويلة. وكان رأي قانوني صدر في 8 مارس 2023 عن دائرة القانون في المجلس الأعلى للقضاء، قد استدعى بدوره سلسلةً من الأوامر التنفيذية التي أطلقها مكتب رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، والتي قضت بحلّ منظمات المجتمع المدني ما لم تمتثل لقانون 2001 القمعي المعني بالمنظمات غير الحكومية؛ رغم تعليق سريانه فعليًا في العام 2011 مع اعتماد الدستور المؤقت. ورغم البيان الأخير لمجلس الأمن، الذي يعيد التأكيد على أهمية إتاحة بيئة آمنة للمجتمع المدني في ليبيا، يبدو قرار مجلس حقوق الإنسان وكأنه يطلق يد السلطات والمجموعات التي تمارس سيطرةً بحكم الواقع على أجزاء من أراضي ليبيا لتضييق الخناق أكثر فأكثر على حرية التعبير، بما في ذلك الأصوات المستقلة والمعارضة.
وبينما يشدد القرار على المساعدة التقنية وبناء القدرات؛ إلاّ أنّه لا يحدّد بوضوح معايير التدقيق للجهات المستفيدة من هذه المساعدة، بالرغم من العدد الهائل من المسؤولين ومن أعضاء الميليشيات والمجموعات المسلّحة العاملين في مؤسسات الدولة والذين لم يتمّ التدقيق في أهليتهم واحتمال انخراطهم في ارتكاب جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي، وسائر التجاوزات والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان. وعوضًا عن كسر الحلقة المستمرة للإفلات من العقاب؛ فإن ذلك الأمر قد يجعلها أكثر حدة.
كما يلزم القرار السلطات الليبية بمراقبة تنفيذ الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان وتوصيات البعثة المستقلة لتقصّي الحقائق، رغم أنّ السلطات الليبية المتتالية قد أثبتت باستمرار على مدار العقد الماضي أنها غير قادرة ولا راغبة في قيادة تحقيقات ملائمة في تجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان، ناهيك عن توفير العدالة الموثوقة وإتاحة سبل الانتصاف والجبر الفعالة للضحايا. هذا وما زال على حكومة الوحدة الوطنية، ومقرّها في طرابلس، تطبيق التوصيات الصادرة في التقارير السابقة للبعثة المستقلة لتقصّي الحقائق، وسط تصارعها على الشرعية والسيطرة مع السلطات بحكم الواقع التي تحكم قبضتها على الأراضي الواقعة في جنوب البلاد وشرقها. وإذ تشيد المنظمات الموقعة بالتزام السلطات الليبية بتشكيل لجنة عليا لدراسة التقرير الختامي للبعثة المستقلة لتقصّي الحقائق وتوصياتها، فإنّها تشدّد أيضًا على أنّ تشكيل هذه اللجنة لا يمكن أن يشكّل بديلًا عن استيفاء الحاجة الملحّة للمراقبة والتوثيق المستقلين وللإبلاغ العام عن حالة حقوق الإنسان في البلاد.
في ضوء ما سبق ذكره، توصي المنظمات الموقعة بما يلي:
- ينبغي لمجلس حقوق الإنسان، وبشكلٍ عاجلٍ، العمل على تشكيل آلية تحقيق دولية ومستقلة لضمان إجراء تحقيقات مستقلة وعمليات رصد وإبلاغ، والمحافظة على الأدلة في كلّ ما يتصل بحالة حقوق الإنسان في ليبيا، تمهيدًا لتحقيق المساءلة مستقبلًا وإبقاء العالم على اطلاع بحالة حقوق الإنسان في ليبيا؛
- ينبغي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وبشكلٍ مستقل عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تشكيل آلية منفصلة ومستقلة تكون لها ولاية مستمرّة لرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا والإبلاغ عنها، بغية دعم السلطات الليبية في جهودها الرامية لتحقيق العدالة والمساءلة؛
- وينبغي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إنشاء مستودع مركزي للمعلومات والأدلة، والعمل على توحيد وتحليل وتقييم المعلومات والشهادات كافة التي قامت بجمعها كلّ من البعثة المستقلة لتقصّي الحقائق وآلية المفوضية المذكورة أعلاه، وتخزين هذه الأدلة بشكلٍ آمن، وإرفاقها بالتوثيق الواضح بغية تمهيد الطريق للإجراءات الجنائية المستقبلية ضدّ المشتبه في ارتكابهم الجرائم بموجب القانون الدولي وتجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة الأخرى. بما في ذلك عن طريق تيسير الوصول إلى المعلومات، والأدلة، والتحليلات من جانب السلطات القضائية وهيئات التحقيق ذات الصلة؛
- تماشيًًا مع سياسة بذل العناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان عند تقديم دعم الأمم المتحدة إلى قوات أمنية غير تابعة للأمم المتحدة، ينبغي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان وضع آلية تدقيق فعالة لضمان عدم تقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات إلى الأفراد المشتبه في ضلوعهم في ارتكاب تجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة. وكجزءٍ من أنشطة بناء القدرات والمشاركة العامة مع السلطات الليبية، يجب أن تكفل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان برامج شاملة للجمعيات المدنية، وتضمن حماية العاملين في المجتمع المدني في ليبيا وقدرتهم على أداء مهامهم بحرية دون معوقات أو خوف من الأعمال الانتقامية.
المنظمات الموقعة
- رابطة النساء الدولية للسلام والحرية
- الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- اللجنة الدولية للحقوقيين
- محامون من أجل العدالة في ليبيا
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز مدافع لحقوق الإنسان
- منظمة ديجنتي
- منظمة رصد الجرائم الليبية
- المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
- منظمة العفو الدولية
- هيومن رايتس ووتش
Share this Post