في 15 يوليو، تعرضت محكمة الأحوال الشخصية بأبو سليم، التابعة لمحكمة دائرة باب بن غشير في طرابلس، لهجوم مسلح عنيف. ووفقًا لتقارير إعلامية، أكدتها جمعية أعضاء الهيئات القضائية الليبية، وصلت مجموعات من المسلحين في ثلاث مركبات مدرعة لمقر المحكمة، وفتحوا النار على المبنى، مما ألحق به أضرارًا مادية، وأدى إلى تعطيل الإجراءات القضائية، وأثار الذعر بين القضاة والموظفين ورواد المحكمة.
ويبدو أن هذا الهجوم كان ردًا على قرار قضائي أثار غضب أحد المسلحين المشاركين في الهجوم، والذي أفادت التقارير أنه ينتمي لجهاز الأمن العام والمجموعات الأمنية المرتبط بوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من الأمم المتحدة.
ووفقًا لشهادة أحد موظفي المحكمة لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فقد طاف مسلحين في ثلاث مركبات مدرعة حول المبنى المتواجد في منطقة مكدسة بالسكان. ثم اقتحم أحدهم مقر المحكمة، واعتدى على أفراد من الشرطة القضائية، وأطلق الذخيرة الحية بشكل عشوائي داخل المبنى. ثم دخل إلى مكتب القضاة مستهدفًا قاضي معين كان يُفترض تواجده بالمكتب في هذا الوقت، فلما لم يجده عمد لتخريب المكتب وممتلكات المحكمة.
لا يعد هذا الهجوم حادثًا معزولًا عن سياقه؛ وإنما هو محاولة لعرقلة مساعي الجهاز القضائي الليبي استعادة سلطاته خلال الأشهر الأخيرة، بعد أكثر من عقد من الانقسام وهيمنة الجماعات المسلحة على المؤسسات العامة وتفشي الإفلات من العقاب. فمنذ مقتل عبد الغني الككلي (غنيوة)، قائد جهاز دعم الاستقرار في 12 مايو، وتصاعد المواجهات مع الجماعات المسلحة المتحالفة مع حكومة الوحدة الوطنية، اتخذ مكتب النائب العام خطوات جادة لإعادة تفعيل صلاحياته. بما في ذلك فتح تحقيقات حول مراكز الاحتجاز التي تديرها هذه الميليشيات، وإصدار مذكرات توقيف بحق بعض أعضائها، والمطالبة بدخول منشآت «أمنية» تابعة لهم، كانت محصنة لفترة طويلة من أي رقابة.
هذه الخطوات أثارت قلق المجموعات المسلحة والقوى غير الرسمية التي تهيمن على المشهد الليبي منذ 2011. فعلى مدى سنوات طويلة تتصرف هذه الجماعات المسلحة كسلطة فعلية في البلاد، تمارس مهام القضاء والشرطة، متجاهلة مؤسسات الدولة ومبدأ سيادة القانون.
يمثل هجوم 15 يوليو على المحكمة عملًا عدائيًا مباشرًا ضد الجهاز القضائي الليبي، لكنه ليس الأول من نوعه. فمنذ عام 2011، يتعرض القضاة وممثلو النيابة والمحامون لمحاولات اغتيال واعتقالات تعسفية وترهيب من قبل الميليشيات المسلحة بسبب عملهم. وقد تصاعدت هذه الانتهاكات بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة.
ففي يونيو 2023، تعرض وكيل النيابة أحمد القطعاني لاعتداء مجموعة مسلحة داخل مقر محكمة جنوب بنغازي الابتدائية أثناء تأدية مهامه الوظيفية. وفي 10 مارس 2025، اعتدت مجموعة مسلحة على القاضي علي الصغير الشريف بالضرب والإهانة، وتم خطفه من منزله في طرابلس، ثم أُطلق سراحه لاحقًا. وفي 21 أكتوبر 2024، نجا القاضي عبد الجواد العلوس من محاولة اغتيال في مدينة الخمس بعدما تم إطلاق الرصاص على منزله.
تطالب منظمات المنصة الليبية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان السلطات الليبية، خاصة حكومة الوحدة الوطنية، بتعزيز مساعي ومحاولات الجهاز القضائي لاستعادة استقلاليته، وحماية أعضائه، وسرعة التعامل مع الانقسام الأمني من خلال إصلاح شامل لقطاع الأمن، وضمان مساءلة الجناة ومرتكبي الانتهاكات من أعضاء الجماعات المسلحة، وحماية القضاء من أي تدخل خارجي.
Share this Post

