Photo by History in HD on Unsplash

نظام ترامب العالمي السلطوي: تأثيراته على الحكام المستبدين في الشرق الأوسط

In مقالات رأي by CIHRS

نيل هيكس
مدير برنامج المناصرة بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.

في الوقت الحالي، يجري رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب جولة في الشرق الأوسط، تشمل كلًا من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، وهي أول رحلة خارجية كبرى مخطط لها. ومن الواضح أن قادة المنطقة يشعرون بمزيد من الثقة، مدفوعين بميل ترامب الغريزي للسياسات والحكومات الاستبدادية، وذلك في ظل سياسة خارجية تتغير بشكل جذري، عززت الطابع غير المتوقع الذي ميّز فترته الرئاسية الأولى. وفي واقع الأمر، يتضح من الأشهر الأولى له في المنصب أنه يتّبع نهجًا مدروسًا ومتقنًا، استلهمه من القادة الاستبداديين الذين يكنّ لهم الإعجاب، وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.

في هذا النهج الاستبدادي المتكرر كثيرًا، تمارس السياسة الخارجية أدوارًا متعددة، لكن الهدف الأساسي منها هو تعزيز قبضة الحاكم على السلطة في الداخل. يُبدي ترامب إعجابًا بهذا النهج، إذ يتم تصوير القائد القوي في ثوب الحامي الأساسي للشعب من أخطار العالم. ويتمكن هذا القائد من توظيف الأزمات الدائمة والتهديدات الخارجية لتحديد «أعداء الداخل» وقمعهم، مما يعزز سلطته في الوقت نفسه. ومن خلال الترويج لفكرة أن البلاد وشعبها يعيشون في قلعة محاصَرة، يخلق الحاكم الاستبدادي مناخًا من الخوف ويطالب بولاءٍ مطلق من الشعب.

تشكل العقوبات النموذجية والقاسية ضد من يوجّهون الانتقادات لسياسات القائد من الداخل وسيلة لردع أي معارضة مستقبلية، وتُستخدم لإظهار أن هناك «أعداءً للشعب» داخل البلاد ينبغي إسكاتهم بإجراءات استثنائية تتجاوز سيادة القانون. وكما قال ترامب: «من ينقذ بلاده لا ينتهك أي قانون». لذا، فإن إحدى الأولويات الكبرى لدى ترامب، والطغاة عمومًا، هي تقويض سيادة القانون والضوابط والتوازنات الأخرى التي قد تحدّ من سلطتهم.

في حالة ترامب، يتمثّل «العدو الداخلي» الأول في الأشخاص ذوي البشرة الملوّنة الذين احتجوا على حملة الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة العام الماضي، وذلك في الجامعات الأميركية. وهم يشكلون هدفًا مناسبًا؛ إذ إنهم غالبًا ما يكونون مهاجرين أو طلاب أجانب، وبالتالي يمكن تمييزهم عن الأميركيين البيض والمسيحيين الذين يشكلون قاعدة ترامب الانتخابية الأساسية. يبدو أن اختيار تهمة «معاداة السامية» المزعومة التي وُجهت إليهم يرجع إلى استمرار انتشار الدعم أو التعاطف غير المشروط مع إسرائيل على نطاق واسع –حتى بين العديد من الديمقراطيين وغيرهم من منتقدي ترامب– بغض النظر عن سلوك حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لقد هيأت حالة الذعر الأخلاقي المصطنعة التي أثيرت حول احتجاجات الجامعات العام الماضي –والتي لم يبذل الديمقراطيون في واشنطن سوى جهد محدود لمواجهتها، بل شاركوا فيها أحيانًا بشكل مخزٍ على حساب الحريات المدنية وحقوق الإنسان وفرصهم الانتخابية اللاحقة– أرضية خصبة لتجريم أقلية مستهدفة ووصمها بالتطرف والتعاطف مع الإرهاب. والنتيجة واضحة: اعتقالات تعسفية، معاملة قاسية ولا إنسانية، فصل من الوظائف، وطرد من البلاد. وغالبًا ما يحدث ذلك وسط تصفيق حار من مؤيدي ترامب وسائر الطغاة المحتملين في جميع أنحاء العالم.

إذا كانت سياسة ترامب الخارجية تتبع هذا النهج الاستبدادي، فماذا يعني ذلك بالنسبة لسياساته في الشرق الأوسط؟ في بعض الأحيان، تحدث ترامب بطموح عن إحلال السلام في المنطقة، مستندًا إلى «اتفاقات أبراهام» التي وُقّعت خلال ولايته السابقة. ومع ذلك، فقد سمح باستمرار حملة الإبادة التي تشنها إسرائيل على سكان غزة، إلى جانب التصعيد المستمر لعنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية. أما في بقية أنحاء المنطقة، فقد اتسمت السياسة الأميركية بالتراجع عن الانخراط، حتى في لحظات تتوفر فيها فرص حقيقية أمام واشنطن لدعم جهود محلية نحو مستقبل أكثر استقراراً في كل من سوريا ولبنان، بينما لا يزال العراق بحاجة ماسة إلى دعم في مجال الاستقرار. ولن يؤدي التخفيض في المساعدات الخارجية سوى لتفاقم التوترات داخل هذه المجتمعات الهشة التي تمر بمرحلة ما بعد الصراع.

هناك استمرارية في سياسة إدارة بايدن الداعمة لنظام إقليمي استبدادي، بقيادة حلفاء مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية؛ باعتباره الوسيلة الأفضل لاحتواء الأزمات. ولا شك أن الإدارات السابقة ساهمت طويلًا في خلق الأزمات المتشابكة في المنطقة. فقد ورثت إدارة ترامب عقودًا من المشاكل الهيكلية الخطيرة الناجمة عن قرارات سياسية سيئة وإهمال مما أدى إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة، وقلة الفرص الاقتصادية أو انعدامها، والفساد، والتدهور البيئي. وتظل الحوكمة السيئة –التي تُعد أحد المحركات الأساسية لهذه الأزمات– عاملًا رئيسيًا في استمرار هذه المشاكل وتفاقمها.

ولكن على عكس أسلافه، يرفض ترامب حتى مجرد التظاهر بالاهتمام بالحكم الرشيد أو سيادة القانون أو قضايا حقوق الإنسان. في المقابل، يزيل الدعم الأمريكي من المؤسسات متعددة الأطراف التي تسعى إلى تعزيز هذه القيم. ولا يبدي ترامب مثلًا أي اهتمام بفرض القوانين الأمريكية التي تحظر بيع أو نقل الأسلحة الأمريكية إلى الدول التي تستخدمها لانتهاك القانون الدولي. وبالتالي، تتمكن الإمارات العربية المتحدة من تأجيج الحرب الأهلية الوحشية في السودان، وتتلقى مصر دعمًا أمريكيًا غير مشروط في قمعها المطول للحريات الأساسية لشعبها. بالنسبة لترامب، فإن السياسة الخارجية في المقام الأول هي أداة أساسية لاستعراض قبضته على السلطة، مما يتطلب إزالة العقبات التي تحول دون الممارسة الحرة لتلك السلطة. ومن الأساليب المفضلة لديه، فرض الهيمنة الأمريكية من خلال إجبار الدول الأخرى على الرضوخ لإرادته من خلال التهديدات أو استخدام القوة العسكرية. لقد أبدى ترامب استعداده لمعاقبة أولئك الذين يتحدونه في الخارج. إن قصفه للحوثيين في اليمن هو نوع من استعراض القوة، دون أي ميزة استراتيجية واضحة، ومن المرجح أن يكون سمة من سمات السنوات القليلة القادمة. إن القصف أسهل بكثير من حل النزاعات، وخاصة من خلال بناء الدولة وجهود إعادة الإعمار بعد الصراع. لقد منح ترامب الضوء الأخضر لنتنياهو لاستخدام الأسلحة الأمريكية، ليُمطر الفلسطينيين في غزة بالقصف حتى يرضخوا. كما وجّه تهديدات صريحة لإيران، مؤكدًا في مناسبات عدة أنه سيقصفها إذا لم تُقدّم استجابة «مرضية» لمطالبه بشأن برنامجها النووي.

لا يكترث ترامب لبقاء جزء كبير من المنطقة في حالة من عدم الاستقرار المزمن. بل في الواقع، يُعدّ هذا السيناريو مفيدًا لمشروعه السياسي؛ إذ يُشير إلى مخاطر خارجية تُبرر –في رأيه– حصوله على صلاحيات استثنائية لحماية أميركا من تهديدات هي في الأساس نتيجة متوقعة لسياساته الخارجية المهملة والمدمّرة. في هذا الصدد، فهو نتاج ما يُسمى بـ«حرب واشنطن على الإرهاب» منذ سنوات، والتي وسّعت فيها الإدارات الأمريكية المتعاقبة نطاق سياساتها الأمنية، ومنحت السلطة التنفيذية سلطةً مطلقةً لتنفيذها على حساب الحريات المدنية وحقوق الإنسان سواء في الداخل الأميركي أو خارجه.

إن النهج الذي يتبعه ترامب في الحكم يُشكّل نموذجًا يُحتذى به في المنطقة –وهو على الأرجح الجانب الأكثر ضررًا في رئاسته. إن احتقاره للقانون الدولي، وللمؤسسات والآليات المصممة لحمايته، يعكس عداءه العميق للقضاة والهيئات القضائية في الداخل الأميركي، التي حاولت –وفشلت حتى الآن– في محاسبته على العديد من مخالفاته. لقد تعلّم ترامب من الطغاة، وفي المقابل، يستمدّ هؤلاء مزيدًا من القوة من أفعاله.

الرسالة واضحة ومُرحّب بها من قِبل الطغاة في كل مكان: سيادة القانون والمساءلة لا تنطبقان على القادة الأقوياء. فمن علاقاته الودية مع بوتين ونتنياهو ومستبدي الشرق الأوسط، يُظهر ترامب دون خجل تعاطفه مع مجرمي الحرب. وفي الوقت نفسه، يواصل الطغاة المُفضّلون لدى ترامب في جميع أنحاء المنطقة التمتع بالإفلات من العقاب على جرائمهم، مُقوّضين ما تبقى من نظام حقوق الإنسان الدولي المُتهاوي، وهو ما يُمثّل نعمة لسياساتهم الضارة التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية في الشرق الأوسط على مدى السنوات الأربع المُقبلة.

نشر هذا المقال بالإنجليزية في: منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، (DAWN)

Share this Post