تطالب منظمات المنصة الليبية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان السلطات في ليبيا بضمان حماية السكان المدنيين من تداعيات الاشتباكات بين الجماعات المسلحة المتنافسة، وذلك عقب مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي (المعروف بـ «غنيوة») في 12 مايو الجاري في ظروف غامضة، داخل معسكر اللواء 444 التابع لوزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية. كما تدعو المنظمات السلطات الليبية إلى فتح تحقيق مستقل ونزيه وشفاف في هذه الواقعة، التي تعكس استمرار الفوضى وغياب سيادة القانون في ليبيا، والبدء فورًا في إصلاح شامل لقطاع الأمن للحد من نفوذ الميليشيات المسلحة.
لقد أدى مقتل الككلي إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين قوات الحكومة وقوات تابعة لجهاز دعم الاستقرار، خاصة في الأحياء المكدسة بالسكان في غرب طرابلس، بما في ذلك أبو سليم مقر الجهاز الرئيسي .وقد شهدت الاشتباكات استخدام مكثف للأسلحة الثقيلة في المناطق السكنية، مما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل وإصابة 15 آخرين، وتسبب في أضرار جسيمة للمنازل والبنية التحتية جراء القصف العشوائي. وعلى مدى يومين متواصلين (13 و14 مايو) تدهور الوضع الأمني في وسط طرابلس والمناطق المحيطة بعد توسع الاشتباكات المسلحة بين الجماعات المتنافسة.
والآن، ينبغي على السلطات في طرابلس اتخاذ تدابير ملموسة لحماية المدنيين، ووقف أي اشتباكات مسلحة مباشرة، ومنع الاستخدام العشوائي للأسلحة في المناطق السكنية، وضمان التزام جميع الجماعات المسلحة المتحالفة مع الحكومة بالقانون الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
تعد واقعة مقتل الككلي أحدث حلقة في سلسلة متصلة من عمليات التصفية العنيفة لقادة الميليشيات المسلحة في ليبيا. فعلى سبيل المثال، اغتيل مؤخرًا محمود الورفلي، أحد قادة القوات المسلحة الليبية التابعة لخليفة حفتر، والذي كان مطلوبًا لدى المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جريمة حرب أسفرت عن مقتل 33 شخصًا، قبل أن تتم محاكمته.
وفيما أشاد رئيس الوزراء بعمليات الاغتيال الأخيرة باعتبارها «خطوة حاسمة نحو تصفية الجماعات غير النظامية»، نؤكد أن تفكيك الميليشيات يجب أن يتم ضمن إطار قانوني وعادل، وأن أي إجراءات خارج نطاق القانون لن تؤدي سوى إلى تغذية دورة العنف وتعزيز سياسة الإفلات من العقاب، على نحو يقوض أي تطلعات لسلام مستدام. فمثل هذه الاغتيالات تعزز نمطًا خطيرًا من الإفلات من العقاب؛ إذ تبقى جرائم الجماعات المسلحة الخطيرة دون عقاب، فيما يتم استبدال العدالة بصراعات مسلحة على السلطة. إن معالجة هيمنة الميليشيات المسلحة، والتي ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وقوضت مؤسسات الدولة، تتطلب الالتزام بسيادة القانون والامتثال لعمليات المساءلة الرسمية.
لقد تورط جهاز دعم الاستقرار، بقيادة الككلي، في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان، بما في ذلك؛ الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، والإعدامات خارج نطاق القانون .هذه الانتهاكات والجرائم قد تم توثيقها من قبل لجنة مجلس الأمن بالأمم المتحدة عام 2022، ومنظمة العفو الدولية، ومركز القاهرة. فضلًا عن تقارير أخرى تشير لانتهاكات مروعة داخل مرافق الجهاز، لا سيما حديقة حيوان أبو سليم السابقة، التي كان الككلي يسيطر عليها منذ توليه قيادة جهاز الأمن المركزي بأبو سليم عام 2012، قبل تحويله إلى جهاز دعم الاستقرار.
تأسس جهاز دعم الاستقرار رسميًا بقرار المجلس الرئاسي رقم 26 لعام 2021، وتم تعيين الككلي رئيسًا له بموجب القرار رقم 36 للعام نفسه. وتم منح الجهاز صلاحيات أمنية واسعة، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز، بمعزل عن أي رقابة قضائية على الجهاز. كما تلقى تمويلًا عامًا كبيرًا؛ 40 مليون دينار ليبي عام 2021 (ما يعادل 8.93 مليون دولار أمريكي)، و132 مليونًا إضافية عام 2022 (ما يعادل 23 مليون دولار أمريكي). هذه الأموال تم تخصيصها من أموال الطوارئ بقرار من رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، الأمر الذي يعكس حجم التوسع غير المنضبط للكيانات الأمنية وتأثيرها المتجذر داخل الحكومة.
ومن ثم، فنحن نطالب النائب العام الليبي بفتح تحقيق جنائي شامل في كافة انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قبل جهاز دعم الاستقرار والجهات المسلحة الأخرى، وضمان منح الضحايا وعائلاتهم حق الوصول إلى العدالة، والتعويضات، وبلوغ الحقيقة الكاملة. كما ندعو حكومة الوحدة الوطنية إلى الإفراج عن جميع الأفراد –ليبيين وغير ليبيين– المحتجزين دون تهم أو سند قانوني، سواء في مرافق الاحتجاز الرسمية أو المرافق غير الرسمية الخاضعة لسيطرة الجهاز، وتوفير الحماية والمساعدة حسب الحاجة للأشخاص المفرج عنهم من هذه المرافق.
ونكرر دعواتنا التي سبق وتبناها ائتلاف المنصة، 14 منظمة غير حكومية ليبية بالشراكة مع مركز القاهرة، للاستجابة للخطوات المشار لها في خارطة الطريق المقترحة لتعزيز حقوق الإنسان واستعادة حكم القانون في ليبيا، والتي تم تحديثها عام 2020، وخاصة الخطوات المتعلقة بـــ:
- إعادة هيكلة وزارتي الدفاع والداخلية.
- خطة إصلاح شاملة لقطاع الأمن.
- تشريع لنزع سلاح وإعادة دمج أعضاء الجماعات المسلحة.
- جهود إعادة التأهيل بما يتماشى مع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
كما ندعو الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى المطالبة بتشكيل آلية تحقيق دولية مستقلة بشأن ليبيا على وجه السرعة، يتم تكليفها بالتحقيق وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان من قبل جميع الأطراف، والحفاظ على الأدلة، وتحديد الجناة دعمًا للمساءلة المستقبلية.
إن مسار لليبيا نحو السلام والاستقرار لا ينبغي أن يعتمد على الانتقام أو الحروب الإقليمية أو القوة، بل على العدالة والمساءلة واحترام سيادة القانون.
Share this Post